من الطبيعي أن يتطرق الشخص إلى تاريخ المكان، أو إلى الأحداث التاريخية، لكن ما يشدني أكثر هي رواية الأشخاص، وهي الرواية التي يجب أن نحملها قدمًا إلى الأمام لنورثها إلى الأبناء والأحفاد.

رغم هذا الإهتمام الخاص بالرواية، إلا أنه من المؤسف أن نرى أن ابنائنا كل أنشغل في هموم الحياة، مما يدفعني لأن أدون في هذه السطور أهم رواية فردية وشفوية لي شخصيًا، وهي رواية والدي.

ولد والدي في حيفا عام 1939، في حي وادي الجمال، في منطقة تعد استراتيجية جدًا، فهي تقع بين أحضان الجبل والبحر، تعد وادي الجمال من أعرق أحياء حيفًا وأكثرها عروبة، فكل بيت دشن هنا يشهد على هذا التاريخ، ولا زالت البنيان تأخذ الطابع العربي الشرقي.

سكن والدي وبعض أفراد لعائلة في هذا البيت، إلا أنه وكحال كل فلسطيني اضطرت العائلة إلى النزوح ابان النكبة، لتصل إلى لبنان والناصرة وتستقر بهما.

لاحقًا، أبي المهجر بدأ مشواره في الناصرة كعامل بسيط، ينظر إلى بيته الحيفاوي إلا أنه لا يستطيع أن يسكن فيه.

هل تعتقدون أن والدي تخلى عن المنزل؟! الجواب كان بالطبع كلا، فقد عمل بكد واجتهاد وبدأ بشراء أقسام من البيت، من بيت العائلة، توجه ابي إلى العائلة التي أحتلت بيتنا، وهي في الأصل من بولونيا، وبدأ بإقناعهم بشراء الغرف حتى استطاع أخيرًا بشراء كل المنزل.

بين العمل الشاق وبين الرغبة في العودة إلى غرفته، نجح أبي بتملك البيت مجددًا، ومن الناصرة عدنا إلى حينا في حيفا، لم يتغير المنزل، تغيرت وادي الجمال وحصلت على اسم آخر، عبري حتى يتم طمس ما بقي من الرواية، إلا أننا لا زلنا نستعمل اسمها القديم.

هذا الإنجاز تكلل أكثر بنجاح أحفاد أبي في تعليمهم، وتألقهم بشكل كبير، إلا أنه وللأسف وبسبب التمييز العنصري أضطر بعضهم إلى مغادرة البلاد والاستقرار في دول أخرى تحترم كفاءاتهم وانجازاتهم.

مع ذلك، بقيت الأرض لنا والبيت لنا والذاكرة نحملها من جيل إلى جيل، ومؤكد أنّنا لا ننسى.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]