في البحث عن الأسباب التي دفعت دولة الإمارات العربية المتحدة للموافقة على إعلان اتفاقها مع إسرائيل برعاية أميركية في هذا التوقيت بالذات، استعرض المهتمون دوافع عديدة، ليس منها بالطبع ما ادعته المصادر الرسمية الإماراتية، من أن الدافع كان إلغاء قرار الضم الإسرائيلي، بل قيل إن أحد الدوافع كان مساعدة دونالد ترامب، في معركته الانتخابية الصعبة، ذلك أن أبو ظبي تخشى سقوط الرئيس الجمهوري وفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي كان نائبا للرئيس الأسبق باراك أوباما، حين تم توقيع الاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي.
في محاولة تمرير صفقة ترامب، حاول الطاقم برئاسة جاريد كوشنير تجاوز الموقف الفلسطيني، وحين لم يجد أحداً يتقاطع معها، حتى في المحيط العربي، ذهب إلى المنامة، لكنه اكتشف لاحقا، أن الصفقة قد فصّلت على مقاس بنيامين نتنياهو، أي أن قبول الصفقة ومن ثم تنفيذها، أي نجاحها كمنجز أميركي منوط أو مرهون بوجود نتنياهو في مقعد رئيس الحكومة في شارع بلفور في مدينة القدس، لذا كان خوض إسرائيل ثلاث جولات انتخابية، أحد عوامل أو أسباب عدم قدرة البيت الأبيض، حتى على إعلان الصفقة، التي اضطر لإعلانها بشكل صفيق في آخر كانون الثاني هذا العام، بعد أكثر من نصف عام على مؤتمر المنامة، وحرص على حضور كل من نتنياهو وغانتس، لواشنطن عشية الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، حيث فرض عليهما لاحقا شراكة الحكم، لضمان اصطفاف المنظمات اليهودية الأميركية إلى جانبه في يوم الانتخابات الرئاسية.
بعد ذلك كان الخلاف وإن لم يكن جوهرياً أو كبيراً بين شريكي الحكومة الإسرائيلية، أحد أسباب تعليق إعلان الضم، وكثير من الشواهد والنماذج يمكن رصدها هنا، لتبيان أن إعداد الخطط أو حتى توقيع الاتفاقيات، ليس أمراً نهائياً، خاصة حين يتم إعدادها وفق ظرف محدد، أو على مقاس حزب أو رجل محدد في الحكم، فإذا كانت الإمارات، قد ضربت عرض الحائط بالموقف العربي الرسمي والأهم منه الشعبي، الذي يؤثر سلباً جداً على دورها ومواقفها في أكثر من ملف إقليمي، فها هي تخسر شعبيتها في تونس، وفي فلسطين، ومكانتها بين المثقفين والإعلاميين، لصالح خصوم إقليميين تعرفهم جيداً، وتراهن على بقاء ترامب في البيت الأبيض، فماذا لو أن ترامب خسر الانتخابات بعد نحو عشرة أسابيع من اليوم ؟!
هل ستتراجع الإمارات عن توقيع اتفاق التعاون الأمني والاقتصادي مع إسرائيل، وبالمناسبة هنا، كل ما منح لواشنطن من ادعاء برعايتها لاتفاق «أبراهام» هو كلام لا أساس له من الصحة، فلو أن واشنطن جمعت الطرفين لأول مرة، لكان يمكن تصديق هذا الادعاء، لكن ومنذ العام 2012، والمسؤولون من الجانبين الإماراتي والإسرائيلي يلتقون في أبو ظبي ودبي وتل أبيب، وفي أماكن أخرى عديدة، واللقاءات بينهما لم تبحث فقط في تنسيق المواقف وترتيب التبادل التجاري والأمني، بل كانت تديره بشكل علني وبشكل سري بمستوى ووتيرة أعلى.
إن نتنياهو ما زال يواجه مصيراً غير مضمون له في مقعد رئيس الحكومة، وخير دليل على ذلك الأيام الأربعة القادمة، حيث سيتبين إن كان مشروع قرار الكنسيت بالقراءة الأولى الخاص بمنح الشريكين مئة يوم للاتفاق حول الميزانية، سيتم إقراره بالقراءتين الثانية والثالثة أم لا.
كذلك فإن ترامب على كف عفريت، وقد لا يكون «أبراهام» كافياً لمنحه تصريح البقاء في البيت الأبيض، من قبل الناخب الأميركي الذي لا يهتم عادة بما يحدث خارج حدود بلاده، أو ما ليس له علاقة بظروفه المعيشية، لذا يريد ترامب ونتنياهو الاتفاق قبل تشرين الثاني القادم، موعد انتخابات الرئاسة الأميركية، وقد يكون أيضاً موعداً لانتخابات إسرائيلية.
أي إن الإمارات عليها أن تدفع ما فيه مصلحة الطرف الآخر، قبل أن تتحقق من أنها نالت مرادها من الاتفاق، هذا من جانب، لكن من جانب آخر، ذلك أن مجرد توقيع الاتفاقات لا يعني، أنها ستمضي قدماً، خاصة حين تكون إسرائيل طرفاً فيها، فالتغيير على أحد الجانبين، قد يوقف العمل بها، كما حدث مع الاتفاق مع إيران، من قبل إدارة أوباما، وكما حدث مع اتفاق أوسلو بين إسرائيل وفلسطين، فمجرد أن انتقل الحكم من اليسار لليمين في إسرائيل، حتى بدأت عملية دفع الاتفاق إلى الطريق المسدود.
وفي إسرائيل عادة ما ينجح اليمين في عقد اتفاقات السلام، واليسار في شن الحروب، أي أن لطرفي تداول الحكم في إسرائيل مصلحة في الإبقاء على «أبراهام»، لكن من جهة ما يتضمنه من مصلحة لإسرائيل، أما من جهة ما تطمح الإمارات إلى تحقيقه، إن كان ضمان عدم العودة للاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، أو الحصول على طائرات إف 35، فليس أمراً مضموناً، ولو حدث عكس ما تريده أبو ظبي، فتكون قد عادت بخفي حنين، ولم تحصل إلا على «سواد الوجه» مع الأشقاء الفلسطينيين، ومع الشارع العربي، الذي سيعرف كيف يرد لها الدين، فيما يخص أدوارها التي تقوم بها في أكثر من ملف، من اليمن، إلى ليبيا، سورية، السودان، وفي كل العالم العربي وإفريقيا.
طبعاً بالنسبة لترامب، بدأ منذ اللحظة التي أعلن فيها التوصل لاتفاق التعاون الأمني بين الإمارات واسرائيل برعايته، بخوض معركته الانتخابية، على أساس أنه حقق منجزاً تاريخياً، لم يتحقق منذ 26 سنة، وخير دليل على ذلك، عودة جاريد كوشنير صهره ومستشاره، الذي كان قد صمت منذ مؤتمر المنامة، وكاد يختفي، كما حدث مع جيسون غرينبلات، وغير موظف في البيت الأبيض عمل معه وفشل، عاد للتبجح مجدداً، بعد أن نصبت له أبو ظبي منصة انتخابية، وأظهرت انحيازها لترامب ضد بايدن، بل للجمهوريين في مواجهة الديموقراطيين، وهذا في عرف السياسة يعتبر سذاجة لا حدود لها؛ لأن دول الغرب هي دول مؤسسات، وعلينا هنا أن نتذكر كيف نظرت الكويت لجورج بوش الأب كمحرر لها من الاحتلال العراقي، حيث منح الهدايا الثمينة، لكن الولايات المتحدة أسقطت بوش الأب في انتخابات التجديد، وكان أيضاً هو رئيساً جمهورياً بالمناسبة، بل إن الأسوأ من ذلك، هو أن الجميع يعرفون ترامب وكذلك نتنياهو جيداً، فهما لا علاقة لهما بالأخلاق السياسية، فحتى لو بقي ترامب في البيت الأبيض، فإنه سيكون مختلفاً في ولايته الثانية، كذلك هو وكما سبق أن فعل في بداية ولايته، سيبتز «أبو ظبي» مالياً إلى أبعد الحدود، كما فعل مع السعودية من قبل، ولن يشن حرباً ضد إيران ليرضي الإمارات حتى لو احتلت ستاً من الإمارات السبع!
[email protected]
أضف تعليق