بابتسامة عريضة كانت قد فارقته لأكثر من عام ونصف العام، تمايل نتنياهو بكل زهو خلف الميكروفون متباهياً بتحقيق إنجاز تاريخي شخصي، أمام مجموعة من الصحافيين المحليين والدوليين بعد أن وصل إلى قاعة الاجتماعات في مبنى رؤساء حكومات إسرائيل لإلقاء بيانه حول خطة «أبراهام» مخترقاً بصعوبة حشود الجماهير الإسرائيلية التي تتظاهر مطالبة باستقالته جراء ملفات الفشل التي أدارها بالتوازي مع ملفات الفساد، مشيراً إلى دوره الشخصي بالشراكة مع ترامب في صياغة صفقة القرن وإنجاز خطة «أبراهام» مع تأكيده أن ملف الضم ما زال قائماً لتحقيق ما سماه سيادة إسرائيل على كل أراضيها، هذا الفوز الذي سيشكل علاجاً لا بد منه للأزمة الاقتصادية بأموال إماراتية لإنقاذ نتنياهو جراء فشله في هذا الملف، كما يشكل طوق نجاه لكافة أزماته بعدما تراجعت شعبيته من 41 مقعداً إلى 29 مقعداً في الكنيست حسب آخر استطلاع للرأي نشر في إسرائيل.
ملف الضم لم يكن بحاجة إلى تعليق أو تجميد لأنه معلق ومجمّد فعلاً قبل خطة «أبراهام» وبعدها لأسباب ليس للخطوة الخيانية الإماراتية أي دور فيها على الإطلاق، لأن هذا التعليق والتجميد يعود بالدرجة الأولى إلى الرفض الرسمي والشعبي الفلسطيني وكذلك الأردني ثم معظم القوى والدول في العالم، والسبب الثاني هو انقسام الأوساط الإسرائيلية بما فيها زعامات الاستيطان والائتلاف الحكومي حول خطة الضم، والسبب الثالث هو انقسام المجتمع اليهودي في أميركا بين مؤيد ومعارض لهذه الخطة إلى درجة أن أكبر منظمة صهيونية في الولايات المتحدة «الإيباك» سمحت لأعضاء الكونغرس في سابقة هي الأولى من نوعها بانتقاد إسرائيل فيما يتعلق بخطة الضم، ناهيك عن تأثيرات هذا الانقسام على رهانات ترامب في ظل تراجع شعبيته وفقاً لاستطلاعات الرأي إذ إنّ خطة «أبراهام» ستوحّد الجميع الذي كان منقسماً وراء إدارة ترامب.
وفيما تمثل خطة «أبراهام» اختراقاً للمنظومة العربية بإشاعة مناخات تطبيعية مع الاحتلال الإسرائيلي، وفتح المجال أمام دول أخرى للانضمام إلى هذا النهج الخياني، فالسؤال ماذا استفادت الإمارات من وراء هذا السقوط المدوي سياساً وأخلاقياً وقومياً.
وفي هذا السياق نقول إن هناك مصلحة حقيقية لزعامة الإمارات من خلال خطة «أبراهام»، ذلك أن الخطة توفر لها حماية من غضبة الشعب الإماراتي وضمانة أكيدة كما تتوهم للبقاء فترة أطول في قيادة البلاد.
وكان الأجدر بالإمارات أن تقوم بمفاوضات وتتوصل إلى توافقات واتفاقات مع الدولة التي تحتل أجزاء من أراضيها وهي إيران والتي لا تزال تحتل جزيرتي طنب الصغرى وطنب الكبرى، فالسلام الذي يجب على زعامة الإمارات أن تقيمه هو مع الدولة التي تحتل أراضيها.
وإذ تتباهى وسائل الإعلام المدعومة من قبل الإمارات بالعدد المتنامي من الدول والمنظمات الدولية «المؤيدة» لخطة «أبراهام»، فإن هذه الخطة أكدت نفاق المجتمع الدولي بعد أن تراجعت هذه الدول عن رفضها لصفقة القرن بما فيها خطة الضم بعدما كانت محرجة في موقفها المستند إلى عدم شرعية الصفقة والضم، وأمكن لهذه الدول تجاوباً مع خطة «أبراهام» التخلي عن موقفها السابق من الناحية العملية الرافض للصفقة والضم والتهرب من المواجهة مع إدارة ترامب، والحال هذه فإن خطة «أبراهام» منحت سلّماً لنزول هذه الدول والمنظمات عن الشجرة بعد أن وجدت في تأييد الخطوة الإماراتية طريقاً للمصالحة مع ترامب ونتنياهو والعودة إلى ما قبل الصفقة والضم وكأن شيئاً لم يحدث، في تجاهل متعمّد لكون العملية الاستيطانية واسعة النطاق التي تجري في الضفة الغربية لا تزال تشكل جوهر السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.
من أخطر ما يمثله سقوط الإمارات في خندق التطبيع مع الاحتلال، إضافة إلى كونه خيانة لشعب الإمارات الشقيق المناصر الدائم للقضية الفلسطينية، فإنه يشكل عبوراً وانزلاقاً وتشجيعاً لسقوط دول عربية إضافية في وحل التطبيع، بعدما تم التمهيد لذلك من خلال خطوات عملية ملموسة طوال السنوات القليلة الماضية مثل عمان والبحرين والسودان.
ولعل مشكلة هذه الدول لدى انزلاقها نحو التطبيع المعلن أنها لن تجد مبرراً تغطي به خيانتها كما كان الأمر عليه مع الإمارات التي بررت سقوطها بادعاء تعليق خطة الضم، وإذا كانت هذه الخطة قد تم تعليقها بموجب المبرر الإماراتي فأي مبرر ستسوقه هذه الدول لسقوطها المخجل في وحل التطبيع مع عدو أهدر كرامتها وقيمها وقوميتها.
[email protected]
أضف تعليق