من الواضح أن عدد حالات الإصابات والوفيات نتيجة فيروس كورونا هي في حالة تصاعد، في معظم دول العالم ومن ضمنها بلادنا، وسواء أكان الحديث عن موجه ثانية أو ثالثة أو غير ذلك من الموجات، إلا أن تسجيل حوالي 60 ألف إصابة يوميا خلال الأسابيع القليلة الماضية وأكثر من ألفي حالة وفاة، يوم أمس، في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال هو أمر يؤكد أن الفيروس متواجد بقوة وينتشر بسرعة وربما من خلال وسائل لم تثبتها أو تنتبه لها الأبحاث بعد، وأن عدم ظهور أعراض الإصابة على الأشخاص المصابين ربما تمتد إلى فترة أطول بكثير مما كان معروفا، أي الى فترة أكثر من الأربعة عشر يوما.
وهذا ربما يفسر المنحى التصاعدي للعدوى والانتشار السريع لهذا الفيروس الغامض، حيث ما زالت حالات الإصابة اليومية التي يتم الإعلان عنها من قبل وزارة الصحة الفلسطينية بالمئات، وفي محافظات ومناطق مختلفة، وبانتشار افقي وعمودي، ومن دول الجوار حولنا وعلى سبيل المثال في إسرائيل، ما زالت الإصابات والوفيات في تصاعد، وتتراوح حول الـ 1500 إصابة يوميا خلال الأسابيع القليلة الماضية، بل إن إسرائيل أصبحت تحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث عدد الإصابات مقارنة بعدد السكان، وجميع هذه المؤشرات تؤكد المنحى التصاعدي للفيروس والتوقعات بأن يستمر هذا المنوال خلال الأسابيع أو ربما الأشهر القادمة.
والتصاعد المطرد في الإصابات بفيروس كورونا يدل على أن الغموض ما زال يكتنف هذا الفيروس، وأنه ورغم الدراسات والأبحاث والأموال التي تم ويتم إنفاقها من أجل التعرف أكثر على هذا الفيروس، ألا أن العلماء والمختصين لم ينجحوا بعد في معرفة آلية انتشاره، وطبيعة عمله أو تأثيره على الأجسام المختلفة لبني البشر، ومستوى أو تركيز الأجسام المضادة التي يفرزها جسم الشخص المصاب وبالتالي قوة وفترة المناعة، ومستوى أو مدة بقائه في الجو أو على الأجسام المختلفة، وكيفية إحداثه الطفرات أو التغيرات التي يقوم بها من أجل التحصن والمقاومة.
والأهم أن هذا الغموض ينعكس على إمكانية إيجاد الدواء أو اللقاح الذي تتنافس عشرات الشركات والدول الحاضنة أو الداعمة لها على الوصول إليه بأسرع ما يكون، والمنحى التصاعدي للفيروس وتوقع موجات ثالثة ورابعة أو موجات إضافية خلال الأشهر القادمة وبالأخص مع بداية الخريف والشتاء، يتطلب اتخاذ الإجراءات والوسائل للتحضير وبالتالي للتأقلم مع فيروس فرض واقعا غامضا ومثيرا على العالم ونحن من ضمنه، سواء على صعيد الاقتصاد أو الصحة أو التعليم أو العلاقات بين السلطة والناس وعلى العلاقات الاجتماعية والثقافية وعلى الحركة والسفر وعلى العلاقات بين الدول وبين المدن أو المحافظات في البلد الواحد، وحتى على صعيد العلاقات والتعامل في داخل العائلة أو البيت الواحد.
والمنحى التصاعدي للفيروس يتطلب التغيير، أي التغيير في وسائل الحياة المختلفة من أجل التعايش أو التناغم مع واقع الفيروس، ومن أجل تحقيق الحد الأدنى من الحياه في ظل أجواء التوتر والتباعد والحذر التي فرضها وسوف يفرضها الفيروس خلال الأشهر القادمة، والذي ما زال العالم يجهل الكثير عنه وعن كيفية التعامل مه ومع تداعياته، والذي فرض نفسه على القوي والضعيف، الغني والفقير، المتحضر والمتخلف، الذي يملك الإمكانيات بأنواعها والذي لا يملكها، وفي الغرب والشرق والشمال والجنوب، وبغض النظر عن المناخ أو عن الموقع أو الكثافة السكانية أو مستوى الأبحاث وتوفر العلماء، والذي حصد أرواح أكثر من 700 ألف إنسان، وأصاب أكثر من 19 مليون شخص في العالم، ولا يفرق بين من يملك الإمكانيات ومن لا يملك.
وتصاعد الإصابات من «كورونا» يستدعي تهيئة الأجواء من أجل ذلك، وربما هذا ما اصبح يتم ونتعود عليه، حيث تبدو الأمور اعتيادية نوعا ما، وبعيدا عن الإغلاق الشامل الذي لا يتم الالتزام به كليا في نهاية الأسبوع، أي يومي الجمعة والسبت، تسير الأمور التجارية والاقتصادية والاجتماعية بشكل عادي، حيث المواصلات العامة والمحلات التجارية والبنوك والدوائر الرسمية والمطاعم والمقاهي تعمل وبشكل ما، ومن الواضح أن واقع التعايش هذا سوف يستمر ويتم التعود عليه، سواء ازداد أو تناقص عدد الإصابات والوفيات، وما ينطبق على بلادنا، ينطبق على مناطق العالم المختلفة.
والمنحى التصاعدي للفيروس يأتي في ظل عدم وجود بديل أو إجراءات أخرى يمكن اتخاذها للحد من قوته، فرغم الحديث والجدل حول إجراءات مثل الإغلاقات الشاملة والتباعد بين الناس وارتداء الكمامة والنظافة الشخصية وغير ذلك، إلا أن الفيروس ينتشر بحدة وبقوة وبسرعة وبشكل ما زال يحير الباحثين، حيث أشارت دراسة حديثة الى أن الفيروس يمكن أن ينتشر من خلال انتقاله عبر جزئيات الهواء، وأن فترة المناعة أو وجود الأجسام المضادة عند الأشخاص المصابين تتلاشى بسرعة، وان هناك عدة نسخ من الفيروس، نتجت عن تغيير أو طفرات في النسخة الأصلية منه، وهذا يدل وبوضوح على الغموض الذي ما زال يكتنف هذا الفيروس وعلى قبول العالم، بشكل طوعي أو غير طوعي بواقع التعايش معه.
وفي ظل تصاعد الإصابات، والتوقع بأن يستمر هذا التصاعد خلال الفترة القادمة، سواء في المدى القصير أو المتوسط، وفي ظل التعود على واقع التعايش مع «كورونا»، وبالتالي القبول التدريجي، ومع الزمن به كأي فيروس آخر، وفي ظل غياب بدائل أخرى، واقتناع الناس بأهمية التوازن بين الأمور المعيشية الحياتية والجانب الصحي، فإنه من المفترض أن نعمل على التأقلم مع هذا الواقع، من حيث نظام التعليم حيث من المفترض أن تبدأ الدراسة وبغض النظر عن شكلها خلال الأسابيع القادمة، أو على صعيد العلاقات الاجتماعية من أفراح وأتراح ومناسبات وتجمعات، وعلى صعيد تطوير النظام الصحي وبالأخص التركيز على مبدأ الوقاية والرعاية الصحية الأولية والتوعية الصحية، وعلى صعيد التعامل التجاري ومكونات الاقتصاد المختلفة وغير ذلك، وفي نفس الوقت مواصلة العمل الجماعي المتكامل من أجل التخفيف من آثار «كورونا»، سواء فيما يتعلق بإجراءات الوقاية من حالات جديدة ومنع الانتشار، أو من ناحية الاحتواء والتخفيف من أوضاع حالية، أو من ناحية الالتزام بإجراء الفحوصات والبقاء في العزل الصحي أو البيتي، والاهم توقع الأسوأ من حيث تصاعد عدد الإصابات وانتشارها.
[email protected]
أضف تعليق