لطالما استفزتني مواقف ما انفككت عنها إلا بإمساك القلم فالكتابة، حتى إذا انتهيت وجدت نفسي أصوغ استفزازاتي على شكل خاطرة، قصيدة أو حتى قصة.
ما أدركت يوما بأنني سأُقرأ، أو حتى سيدون استفزازي على شكل كتاب قد يجند لاحقا ليكون إرثا.
منذ أقل من أسبوع بدأت تجتاحني فكرة طرح سؤال يجب كشف نقاب الاستفسارات حول مضامينه:
لماذا نكتب؟
من أجل من نكتب؟
ومن يقرأ ما نكتبه نحن؟
أسلافنا قاموا بما نقوم به، صنعوا إرثا يحتذى به، وإرثنا نحن من يقوم بالحفاظ عليه؟ أو بالأحرى من سيخوض النبش بإرثنا ليكون إرثا حقا؟
هل ما نقوم بكتابته يفسر شرح ذواتنا لذاتنا؟ أم أننا نخاطب مجتمعا بكل طبقاته ومشاكله واستهجاناته؟
ربما يكتب الفرد منا ليعانق نفسه ظاناً بأنه يخفي لفيف النظرات عنه بحجة المجتمع، اقصد بأنه يتوهم ! وربما يدخل الكاتب منا رغبة الخوض في تجربة استلذ بها، ليسلط أضواء حوله، عالماً يصنعه لنفسه فلا يجد لذاته جمهورا إلا ذاته.
هناك سؤال يحيرني بعض الشيء: ما هو مقدار إنتاج مثقف ليغدو كاتبا بلقب يعطيه حق ميراث الكتابة؟
بات اليوم أسهل ما يمكن اعتباره لقبا لكاتبٍ أو شاعر، هو إنتاج كتاب وطرحه بالأسواق والإعلان عنه بواسطة الزغاريد التي تلفظها الصحف الإلكترونية والورقية.
الكتابة مسؤولية تحملنا الرصانة لاتخاذ قرارات قد نتحمل عقباتها لاحقا، ليس كل من خط حرفا وعبارة غدا كاتبا ! بدأت الكتابة بعمر الثانية عشر، واتخذت قرار صدور كتابي الأول بعمر الرابعة والثلاثين. اصطحب صدور كتابي الأول هاجسٌ أقلقني وقض مضجعي لتحملي مسؤولية ما تحمله صفحات الكتاب من أفكار وطروحات قد يتم التحدث عنها لكل من قرأ. نحن نكتب ذواتنا بكل الصور لكننا نكتب للقارئ، ولا يشترط بالقارئ أن يكون مثقفا ليفهمنا، لكن على الكاتب أن يكون مثقفا وملما بكل ما يحيط به من علوم ليكون بقدر مستوى القلم الذي يحمله بين أصابعه.
لا أكتب هذه السطور لأقول لمن لديه رغبة إنتاج جديد أن يتوقف ويتمهل اثنان وعشرون عاما، ولا اكتب هذه الملحوظة لأعلن عن التأني الذي مارسته بحق نفسي، هنا سأكون قد غدرت برسالة وددت إيصالها لأشهر بمقالتي وأكون قد أودعت الحروف ببورصة الإشهار، لكن حقا علينا دراسة مشاريعنا وإن كانت مقالة أو موضوعا وطنيا سياسيا أو حتى قصيدة وربما قصة أو رواية، فالموضوع ليس بزخرفة الحروف بل بمضمون الرسالة التي يتوجب علينا الإرشاد عن طريقها، لنغدو أمة مثقفة تتحمل مسؤولية مجتمع سيرث القادمَ ليكون أفضل.
كل يوم يولد كاتب، وكل فترة وجيزة نسمع عن ميلاد صحيفة، أين القارئ؟ أيعقل بأن نكون أمة ً مثقفة تكتب بأقل عدد من القراء؟ أم أننا حقا نكتب لنعزز كبرياءَنا بإلقاء نظرة الرغبة فينا على أسمائِنا المطرزة بجانب عناوين خطها الغرور بنا.
أين الداعمون الحريصون على أجمل وأرقى وأرصن لغة بسطها الله على خليقته؟
وما مدى صنع القرار في مراقبة طيات صفحات قد تكون قواعد لجيل ما عاد يرى سوى الرصاص والسكين والشتم والعنف رجولة لنفخ عضلاته، ومهرباً إلى لذة الانتشاء عن طريق الفواحش والمحرمات.
صناع القرار في صدق المراقبة، كل فرد منا بداخله زر أحمر يضيء وقت شذوذه عن مسلك ضميره، لم نطيل الغفوة في ركاب المصلحة الذاتية؟ ولم نحتاج رقابة عُليا على ذواتنا لنستفيق؟ وما نوع المخدر الذي تجرعه ضميرنا ليصبح كل شيء فينا ينمو إلا الصدق .
علينا بالوقوف أمام ضمائرنا، وأنفسنا، فنحن في فترة انحطاط نسبية ، التي فُسرت بعض عواقبها بأنها حرب لا بد وأن نخرج منها منتصرين لنعود قبل أي شيء أسيادا على أنفسنا. إن في الجهل عبودية، وفي الرتابة موت سريري، لا بد وأن نؤازر بعضنا ونتعلم لنكتشف خبايا ضعفنا فنرتقي شيئا فشيئا. الإصغاء يا أمتي! ما فشل قوم إلا لأنهم ما أجادوا الإصغاء ، ففي الإصغاء حكمة، وحكمة الكتابة الصدق في الرسالة.
[email protected]
أضف تعليق