لا يمكن لاسترجاع ٢٤ جمجمة لكبار المجاهدين الجزائريين أن تنهي ما يسميه الأوروبيون أزمة الذاكرة الجزائرية مع فرنسا، فجرائم فرنسا في حق الشعب الجزائري أفظع وأكبر من أن ينهيها استرجاع 24 جمجمة، مع أهمية ورمزية استرجاع جماجم المجاهدين الأبطال بالنسبة للشعب الجزائري والأمة العربية والإسلامية.
فمنذ أن وطئت أقدام الاستعمار الفرنسي النجسة أرض الجزائر، أرض المجاهدين والعلماء وهم يبثون سمومهم في الجسد الجزائري الطاهر، ورحلوا عن أرض الجزائر، بفعل صمود وثبات المجاهدين الأبطال والأحرار، بعد أن خلّفوا وراءهم جرائم وفظائع لا تُغتفر ولا تُنسى.
جرائم الإبادة الجماعية الفرنسية في الجزائر على مدى 138 عاماً هي جزء من الذاكرة الجزائرية الجمعية التي يسعى الاستعمار الفرنسي وحلفاؤه لإخفائها والتنصل ومن تبعاتها، فقد ارتكب الاحتلال الفرنسي خلالها جرائم إبادة جماعية بحق عشائر وقبائل بأكملها دون تمييز، مستعملاً أساليب فظيعة في تعذيب الجزائريين، منها على سبيل المثال لا الحصر، هتك العرض، سلب الأرض، التهجير والإبعاد والنفي، التجويع والتعذيب والقتل وإجراء تجارب نووية على أهل البلاد، فما قام به الاستعمار الفرنسي هو مشروع لتدمير أمة، فقد اقترن هذا التدمير بالقتل المباشر لهذه الامة، لتناقض فرنسا بذلك شعاراتها الجوفاء في الثورة الفرنسية: "العدالة، الإخاء وحقوق الانسان".
لقد تم استخدام الشعب الجزائري كحقل تجارب في التقتيل الجماعي والفردي، حيث انعدمت المبادئ الانسانية وظهرت الوحشية الاستعمارية على حقيقتها، من أجل تغليب العنصر الفرنسي والأوروبي على الجزائري، فقد كان يتم القتل الجماعي دون تمييز بين رجل وامرأة أو صغير وكبير، وكان يتم حمل رؤوس القتلى على أسنة الرماح، وكان يتم عرض ما يسمى بالغنائم من ذهب وحلي مسروقة على أعضاء الشهداء المبتورة ، كما حصل مع قبيلة العوفية عام 1832، والتي قُتل جميع افرادها البالغ 12 ألفاً.
ومن الأساليب التي استخدمها الاستعمار في مجازره ضد الشعب الجزائري، عمليات الاغتصاب والحرق واستخدام السلاح الخفيف وسلاح الطيران لقصف المدنيين كما حصل في أحداث 8 أيار 1945، حيث ساعد الجيشَ الفرنسي في هذه المجازر مليشيات أوروبية إلى جانب الجيش والشرطة الفرنسية، وقد راح ضحية هذه الأحداث 45 الف شهيد جزائري.
يضاف الى القائمة الطويلة للجرائم الفرنسية في الجزائر: إجراء 17 تجربة نووية في الصحراء الجزائرية 4( تجارب في منطقة رقان و13 تجربة في عين ايكر)، امتدت على فترة ست سنوات (1960-1966)، حيث أقحم الاستعمار الفرنسي الأهالي العزل في التجارب لمعاينة مدى تأثير الإشعاعات النووية عليهم.
كما لا ننسى جرائم وانتهاكات الاستعمار الفرنسي بحق المقدسات الاسلامية هناك، حيث قام الاحتلال الفرنسي في الجزائر بتحويل 400 مسجد الى كنائس، هذا ناهيك عن هدم المئات منها او استخدامها لأغراض اخرى، ومن اهم هذه المساجد مسجد كتشاوة الواقع بالحي العتيق للعاصمة (القصبة) والذي بناه الاتراك عام 1792، وقد قتل الاحتلال الفرنسي نحو 500 شهيد من الجزائريين الذين حاولوا الدفاع عنه، ومنها ايضا مسجد سيدي غانم التاريخي الذي بناه الصحابي ابو المهاجر دينار سنة 59 هجري في مدينة ميلة العتيقة، حيث حوله الاستعمار إلى ثكنة عسكرية، وقد حاول الاستعمار الفرنسي هدمة الا ان اثاره بقيت واضحة العيان.
على الرغم من فظاعة الانتهاكات وخاصة تلك الناجمة عن استعمال الأسلحة غير التقليدية، ظلت فرنسا ترفض الاعتراف بارتكاب تلك الجرائم رغم الشواهد الكثيرة والاعترافات العديدة لمرتكبي تلك الجرائم من مسؤولين مدنيين وقادة عسكريين، بل ذهب بها الأمر إلى استصدار قانون (قانون 23 شباط 2005) والذي يمجد الاستعمار، وبالتالي تبرير ارتكاب تلك الجرائم وعدم متابعة المسؤولين عن ارتكابها، وكذلك إنكار مسؤوليتها كدولة عن تعويض الأضرار التي تسببت فيها على مدى 138 سنة أو يزيد.
لقد نحج الشعب الجزائري في مقاومة الاستعمار الفرنسي على المستوى العسكري والشعبي والثقافي والسياسي، وعليه لا يمكن طي هذا الملف من الذاكرة الجمعية للشعب الجزائري بهذه السهولة، فلا بد من إماطة اللثام عن الكثير من الجرائم البشعة التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي أثناء احتلاله للجزائر وفتح الأبواب أمام الباحثين لسبر أغوار تلك المرحلة، وإجبار الجانب الفرنسي على فتح ملفات أرشيفه الاستعماري للجزائر، ومن ثم العمل على تفنيد جُملة الأباطيل التي نشرها بعض جنرالات فرنسا والهادفة إلى تزييف حقائق الجرائم المرتكبة، وكذلك اتباع الإجراءات المناسبة لتحقيق العدالة الجنائية الدولية والقضاء على ثقافة الإفلات من العقاب بإحالة المسؤولين عن الجرائم الدولية أمام القضاء الجنائي الدولي واجبار فرنسا على تحمل تبعات كل هذه الملفات أخلاقياً ومادياً.
[email protected]
أضف تعليق