بقلم حازم القواسمي
ما يطلق عليه مصطلح الدولة المدنية أو الدولة الديمقراطية العلمانية أو دولة المؤسسات أو دولة سيادة القانون هي ذاتها دولة المواطنة. فما هي المواطنة ولماذا سميت بدولة المواطنة؟ وماذا تختلف عن الوطنية؟ وما ارتباطها بالوطن. وما هو الوطن؟ لا شك أن الناس بحاجة لتوعية على المفاهيم والمصطلحات السياسية المنتشرة في الصحافة وعلى برامج الفضائيات وفي خطب الجمعة وفي مؤتمرات النخب الفكرية. فقد التبس الأمر على عامة الشعب، وأضاع بوصلته التي يجب أن يتم تصويبها عن طريق تصويب الفكر أولا ثم إيجاد السبل والطرق التي من خلالها يتم تصويب الأوضاع على الأرض.
الوطن هو المكان الذي ينتمي إليه الإنسان ويشعر به بالراحة والامن والاستقرار والانتماء والولاء. وهو بمثابة البيت الكبير لكل من يعيش فيه. لذلك، فالوطنية هي حب الوطن والاستعداد لخدمته ونصرته والتضحية من أجله. أما المواطنة فهي مصطلح سياسي حقوقي بامتياز. وهي عقد بين الدولة ومواطنيها، ولها متطلبات وامتيازات وحقوق وواجبات مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. فالمواطن عليه واجبات للدولة ولديه حقوق أيضا والدولة ملتزمة له بتلك الحقوق وعلى رأسها حق الإقامة والسفر خارج البلد والعودة في أي وقت وحق العمل والتجارة وتوفير الأمن للمواطنين ومتابعة أمنهم ومصالحهم داخل وخارج البلد. وتشمل الامتيازات التي يستطيع أن يتمتع بها المواطن تقلّده لمنصب حكومي أو أمني كأن يصبح رئيسا للدولة أو قائداً للجيش أو المخابرات. وهناك خيط رفيع يفصل الوطنية عن المواطنة، لأن هناك الكثير من العوامل التي تجمع بينهما حيث يتشارك المواطنون تاريخ البلد وثقافته وحاضره ومصلحته ومستقبله ومستقبل الأجيال التي تقطنه. فالمقيم، أو الشخص الذي يقيم لبضعة أيام أو أشهر أو حتى بضع سنين قليلة لا يشترك مع المواطنين في كل ما ذكرناه، لأنه موجود لغرض آني في البلد، سواء كان للسياحة أو الدراسة أو العمل المؤقت، وسوف يغادر بعد فترة قصيرة. ولهذا هناك من يربط المواطنة بالجنسية أو جواز سفر بلد معين، بكل ما فيه من حقوق وواجبات لحامل ذلك الجواز، حيث تعتبر المواطنة أكثر أشكال الجنسية امتيازًا. وقوانين الدولة هي التي تحدد شروط الحصول على المواطنة والجنسية وجواز السفر، وأيضا شروط انتزاعها. وهناك من ذهب عميقا في تعريف المواطنة وأنماطها مثل توماس جانوسكي الذي قام بتصنيف أنماط المواطنة إلى ستة أقسام اعتمادا على مشاركة المواطن في الحياة العامة وفي السياسة وفي حياة المجتمع المحلي.
ولا شك أن فهمنا للمواطنة يجب أن يشمل دورها في تعزيز النظام الأخلاقي للدولة، الذي يعتمد أساسا على النظام القانوني وتنفيذه على الأرض. حيث يلمس المواطنون المساواة والعدل في دولتهم نتيجة سيادة القانون، ولذلك يشعرون بدورهم التشاركي في دعم ركائز الدولة الديمقراطية وترسيخ مقوماتها، لأن الدولة دولتهم ومصلحة المواطنين هي مصلحتهم، والتشارك في حمل المسؤوليات الجماعية يجب أن يعكس نفسه على المشاركة في جني ثمار المواطنة من توفير للأمن وللحياة الكريمة والحصول على كافة الحريات والحقوق. وفهم المواطنة من قبل المواطنين يشعرهم أنهم عائلة واحدة متكافلة متضامنة. بينما تكون أروع الإنجازات الأخلاقية التي قد يقوم بها المجتمع والدولة هي التعددية وقبول الآخر واحترام الأقليات ومساعدة الأقل حظا وذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين. فتتجلى علاقة الدولة بالمواطنين في أخلاقيات النظام الاجتماعي في إسناد النظام التعليمي والنظام الصحي لكافة الفئات، وبدلاً من التهرب الضريبي تجد يافطات أسماء المتبرعين منتشرة على جدران المستشفيات والجامعات، وتجد المواطنين يتسابقون للتطوع في دور المسنين وفي عمل الخير.
إذن، فالمواطنة هي علاقة ممنهجة وممأسسة بين المواطن والدولة: حب وعطاء وانتماء والتزام بالقوانين من جهة المواطن، يُقابلها مشاركة سياسية وحقوق انتخابية وحريات مستحقة على الدولة التي يجب أن تعمل تحت أعين المواطنين لا فوق رؤوسهم. ولا يكون الانتماء للوطن ولا تكون المواطنة بديلاً أو على حساب الانتماء للعرق أو القبيلة أو الدين أو الحزب السياسي، بل العكس هو الصحيح. فيجب ألا يؤثر انتماء المواطن لأي من الطبقات المجتمعية والحركات الدينية بشكل سلبي على مواطنته في دولته، أي على الحقوق التي يجب أن يؤديها تجاه الدولة مثل الولاء والخدمة في الجيش ودفع الضرائب. فدفع الزكاة من قبل المسلم للفقراء لا يعفيه من دفع ما عليه من ضرائب والتزامات للدولة. إلا أنه إذا تبرع على سبيل المثال لمستشفى أو جمعية خيرية مسجلة، فيتم خصم تلك التبرعات من الضرائب المستحقة عليه للدولة في حال نص القانون على ذلك. إذن، فالأساس في دولة المواطنة هي الحقوق والواجبات التي تنص عليها قوانين تلك الدولة، ومن يريد أن يكون مواطنا صالحا في الدولة الديمقراطية، عليه أن يلتزم بالقوانين والتشريعات التي يجب أن تطبق بالتساوي على الجميع
[email protected]
أضف تعليق