اقترب موعد الحسم في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي لإصدار قرار سيكون تاريخياً إذا ما نصّ على البدء في التحقيق مع قادة الاحتلال العسكريين والسياسيين على جرائم الحرب التي ارتكبت بحق الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة.
الجميع بانتظار قرار المدعية الرئيسة في محكمة لاهاي فاتو بنسودا التي تعرضت خلال الأشهر الماضية لحملات ضغط غير مسبوقة، هي وأعضاء آخرون في المحكمة، خاصة من الولايات المتحدة، التي وصلت إلى حدّ فرض عقوبات على ممثلي المحكمة.
الضغوط الممارسة لم تقف عند الولايات المتحدة وإنما تعدتها إلى دول غربية أخرى لإبعاد إسرائيل عن المحكمة بأي ثمن.
ومن ضمن الادعاءات التي أخرت إصدار القرار رفض اعتبار السلطة الفلسطينية دولة، وبالتالي كان محظوراً على المحكمة قبول فلسطين عضواً فيها.
الضغوط أيضاً جاءت من رجال قانون مؤيدين لإسرائيل في محاولة للي عنق المحكمة، كي تتخلى عن القضية غير المسبوقة.
الضاغطون لم يتركوا أي وسيلة أو منفذ، بما في ذلك اتهام محكمة لاهاي بالتسييس من أجل أن تتخلى عن المطالب الفلسطينية.
في إسرائيل أصبحوا ينظرون بخطورة بالغة إلى القضية، وبدأت التسريبات تشير إلى أن القرار سيكون إلى جانب البدء بالتحقيق. وبالتالي يجب الاستعداد لهذه القضية. جزء من هذه الاستعدادات ظاهر والآخر خفي، إلاّ أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن التحقيق سيشمل مئات الإسرائيليين من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي والقادة السياسيين، ابتداءً من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وليس انتهاءً بوزراء الجيش الإسرائيلي السابقين ومن بينهم موشي يعلون وأفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت... ورئيسي هيئة أركان الجيش الإسرائيلي السابقين بيني غانتس (وهو وزير الجيش الإسرائيلي الحالي)، وغادي آيزنكوت، ورئيس الأركان الحالي آفيف كوخافي. يضاف إلى هؤلاء رؤساء جهاز المخابرات الإسرائيلي السابقين والحاليين يورام كوهين ونداف أرغمان... إضافة إلى العشرات من الضباط الأصغر رتبة حسب ما ذكرت صحيفة «هآرتس» العبرية قبل يومين.
العسكريون متهمون بجرائم حرب وقعت في قطاع غزة خلال عدوان العام 2014 الذي أدى إلى استشهاد 2193 مواطناً بينهم 579 طفلاً و267 امرأة و102 من المسنين وخلّف أكثر من 11128 مصاباً من بينهم 3374 طفلاً و2088 امرأة و410 مسنين. كما ارتكب الاحتلال الإسرائيلي 49 مجزرة بحق 90 عائلة فلسطينية بواقع 530 شهيداً، كما دمر 2358 منزلاً بشكل كلي و13644 منزلاً بشكل جزئي. إضافة إلى برجين سكنيين وبرجين تجاريين. كما استخدمت قوات الاحتلال ما أسمته «نظام هنيبعل» وهو نظام الأرض المحروقة لكيلا يقع جنودها أسرى، وهو ما حدث في شرق رفح عندما ارتكبت قوات الاحتلال أبشع مجزرة بحيث لم تترك سنتميتراً واحداً إلاّ وقصفته بعد أسر جنديين في المعركة. الناجون المدنيون القلائل الذين حالفهم الحظ رووا قصصاً أشبه بالخيال عن لحظات الموت الرهيب.
الجزء الثاني في المحاكمة سيكون بشأن الاستيطان اليهودي غير الشرعي المخالف للقوانين والمواثيق الدولية. وسيكون على رأس المتهمين ضباط ومسؤولو إدارة الاحتلال المدنية الذين سمحوا ومنحوا رخصاً للاستيطان على الأراضي الفلسطينية سواء في الضفة الغربية أو القدس المحتلة.
الملفات التي بين أيدي محكمة لاهاي لا تتضمن خطط الاحتلال لضم 30% من مساحة الضفة الغربية وضم المستوطنات وحتى البؤر التي كانت حكومة الاحتلال تعتبرها غير قانونية لأنها لم تحصل على التراخيص.
هذه البؤر أصبحت اليوم أكثر من قانونية في عهد حكومة الاستيطان اليمينية الإسرائيلية.
إسرائيلياً كما قلنا هنا تحركات مكثفة، ونتنياهو يحاول بكل قوة الحيلولة دون إصدار قرار البدء بالتحقيق. وهو دائم الاتصال مع أطراف عديدة في العالم لإنقاذ إسرائيل من المحكمة بالادعاء أنها سياسية.
أما على الصعيد الداخلي فقد بدأت دولة الاحتلال باتخاذ سلسلة طويلة من الإجراءات من بينها تعيين الوزير زئيف إلكين مسؤولاً عن متابعة محكمة لاهاي. وهو يقود فريقاً من وزارات عدة، منها الخارجية والعدل وهيئة الأمن القومي ووزارة الشؤون الاستراتيجية وجهاز الأمن الإسرائيلي وغيرها، حسب صحيفة «إسرائيل اليوم» اليمينية.
حكومة الاحتلال ومؤيدوها يأخذون الأمر بجدية تامة وبمخاوف غير مسبوقة لأنها قد تغير وجه اللعبة في المنطقة وقد تكون بداية لإجراءات جديدة تزيح مقولة «إسرائيل فوق القانون».
ظلت دولة الاحتلال منذ النكبة في العام 1948 فوق القانون. تأخذ الحماية من واشنطن والغرب، مع التغطية التامة على كل الجرائم التي ترتكبها، وحان الوقت لتنفيذ مقولة «عدم الإفلات من العقاب».
فلسطينياً لا بد من تكثيف التحركات حتى يأتي القرار في صالح شعبنا. ولا بد من تكاتف جهود الحكومة مع المنظمات الحقوقية والأهلية التي كان لها دور بارز ومهم في تحضير الملفين الأساسيين للمحكمة.
يجب استغلال ما تبقى من زمن حتى نعيد للشهداء والجرحى والمدمرة منازلهم والمسلوبة أراضيهم والمهجرين الحق الضائع الذي ربما نجده جزئياً في محكمة لاهاي.
[email protected]
أضف تعليق