تُحاولُ تَرتيبَ الكلماتِ، ربطَ العِباراتِ، بناء رأيٍ أَو اتخاذِ موقفٍ. الوقتُ يُحاولُ تعجيزها لكنها تُعاند الألم، مُتمسكةً بالقلمِ. تَرفض الرقود تحت الحجر بسبب خطيئةٍ أُختُلِقَت كتبريرٍ للتسترِ على عفنٍ، تهرب من تحويلها الى رمادٍ. تتعلق بخيوطِ الشمسِ ودفئ الشمعة، عيناها تَبِّثُ الفرحِ تخط طريق الصمتِ والضوضاءِ نحو مكانٍ آمِنٍ.
إِنتظرت على شاطئ العتمة محاربة بالقصيدة، تُضيء الدربَ للآتيات من بعيدٍ مُستعدةً للضجيج الخانق. طويلةٌ هي الطريق، قلبهن يصرخ بوسطِ اعمالهن لكن وجوههن تزدهر قوةً. النسيم والماء والصيف والشتاء يملئون روحهن بالاعتراضِ والاحتجاجِ.
مشهد مكشوف يطل مِن النوافذ مع لهفةِ تلوين السواد القاحط، عادات الخوف نُسيت أَبحرن بالقانون والمضمون، حياتهن ليست بوليمة.
لن يفجروا المجتمع ولن يتصرفن بعنف، لن يقتلن احد، بل يزحفن تحت القافلة، يتحديّن القبيلة، توّحدن للإصلاح وُلِدنَّ من تضحيةِ أخواتهن بأرواحهن. كسّرن جدرانٍ معدومةِ الابواب، فجرن اقفالٍ عُلقت عَلى حناجرهن، ينتفضّن بأصواتهن، يطّرزن واقع آخر، واقع ينطوي به الظُلمِ.
يبتعد الظلام حتى الزوال، يبدّن الملجأ المُتجمد، يتركّن قلعة يسودها الهجوم الى مسارٍ ابيضٍ فيه يقدن تحركاتهن بلهيب التغيير الذي يُحرك عجلة الأرض.
ترتفع اصوات الريح وتصرخ أمامها، مرَّ الزَمَن واتى ميعاد تلخيص الفترة، تتأرجح لتستقر في كتابها، صمتٍ أصبحت تفرضه/ تفرده لصوت أفكارها، تُصلح المناظر المشوهة وترسم طبيعة جديدة لتشرق عيناها يوميًا.
كان نضالها مثل حلمٌ بالصيفِ والبرقِ في سحابةِ كانون ثانٍ، تصعد وتتلاشى مثل العاصفة لن تتحطم ولن تدع الشمس تأكلها بل تضيء ذكرياتها، ذكرى إِنتفاضة أصواتهن، التوقف عن الهرب لمواجهة ليالٍ أُغتصبّن بهن من خلال الهمسات. تُزيل الوقت السيء الذي كانت به وحيدة بائسة مثيرة للشفقة، تقود معارك مستقبلية من داخل المنفى المحاصر، جسدها المحروق يحث كرامتها لتنزع الصدئ والندبة الذي طعمها ينكر ذل السنوات إنما توجهها الى لحظاتٍ مشرقةٍ.
تهرب من سجّانٍ متحمس ليزوّر الوثائق من سخصٍ يَنجذب الى الظلامِ. غرقها يتحوّل إلى جناحٍ يألقها بتمردها الى بر الامان. تحرق شمعة الأرملة، المطلقة، المُعنفة، شمعة الجسد المبتذل لتطلق صوت البوق على روحٍ وذكرياتٍ دُفنت بأعماقِ البحار بعد التغلب عليها. ايام عصيبة متعبة توصلها الى خلود الخلاص، اصرارها نبراس الطريق.
إنتظرت مختبئة في السهلِ تُقاوم الرعد القادم يدمج أنين الحداد والبكاء، لم تطع اوامر تقييدها، حررت نفسها من تهديدٍ مستمرٍ تُحافِظ على ايقاعها، تهرب من الهزيمة والجشع بخطواتٍ سرية، تتحمل البرد وتبقى الفائزة دون جريمة. تنتظر الساعة مصير الحالة الجديدة، ساعة معينة للأمل الصاعد تستلقي على سطح الساعة تراقب الزمن القاحل الذى مضى، تترقب تفاصيل مزهرة توحي لحاضرٍ ومستقبلٍ جوهري.
نلاحظ "العصيان النسوّي" لأول مرة بمسرحية إبسن "بيت الدمية" تُقرر نورا طرق الباب ورائها لتنعم بحياةٍ مُستقلةٍ تخصها، لكن عام ١٨٨٠ عند عرض المسرحية بألمانيا رفضت البطلة تمثيل هذا المشهد النهائي بسبب عدم قدرتها على التصرف مثل نورا، لهذا السبب تغيّر المشهد النهائي بما يناسب روح الفترة. لكن بعده تأتي سوزان غلاسبل بمسرحيتها "أمور تافهة" (١٩١٦) لتنوّرنا بالتحالف النسائي الخفي الذي من خلاله تستطع المرأة تحرير نفسها من قبضةِ الذكورية. مسرحية جديرة بالقراءة نكتشف بها توحيد الصف النسائي لمساندة بعضهن البعض حتى في اتفه الأمورِ وأصغر الاشياءِ (بحسب نظر الرجالِ) .
إِيماني بأن كل شخصٍ مننا عليه الانضمام الى ثورة رفع مكانة المرأة وتحررها من كل الانظمة الرجعية الداخلية والخارجية، نساءً ورجالًا. قضية كل مننا قادر بالمساهمة لأجلها بطريقته الخاصة، نتسلّح بالتفكير السليم لأجل هدوء خالٍ من الغُبار والأوساخِ، نعمل على إخراجِ كل من مخبأه ليحظى بعالمٍ أمنٍ.
[email protected]
أضف تعليق