الوقوع في شرك اغراءات اللعبة البرلمانية, وتجاهل العرب وسائر شرائح الغلابى في الضواحي, أفشلت معظم مطالب حركات الاحتجاج حتى الآن!!
قامت حركات احتجاج عديدة منذ سنوات الخمسينات من القرن الماضي وحتى اليوم في إسرائيل, منها السياسية والاجتماعية والطائفية, لكنها بغالبيتها الساحقة لم تحقق المطالب والاهداف التي من اجلها قامت حركة الاحتجاج.
ففي نهاية الخمسينات قامت هبة احتجاج عنيفة في مدينة حيفا سميت باحداث "وادي الصليب", وتمثلت برد فعل غاضب من اليهود الشرقيين والذين تعرضوا بشكل عنصري من قبل المؤسسة الحاكمة وخاصة جهاز الشرطة , واستعمال العنف والقتل ضدهم خلافا للتعامل مع الطوائف اليهودية البيض من الشكناز.
في العام 1971, قامت حركة " الفهود السود " الاحتجاجية في احياء الفقر بالقدس الغربية ( حي القطمون), واشعلت شوارع القدس ومدن أخرى في البلاد رافعة شعار " المساواة لإسرائيل الثانية" , والمقصود صرخة اليهود الشرقيين والتمييز ضدهم في جميع المجالات.
في العام 1978, قامت حركة سلام الان, وجندت عشرات آلاف المتظاهرين في تل ابيب والقدس وحيفا, ودورها ابان الاجتياح الإسرائيلي للبنان كان كبيرا ومؤثرا , وتقلص دورها رويدا رويدا منذ ذلك الوقت.
وفي تموز من العام 2011 تفجرت حركة احتجاج اجتماعية لم يسبق لها مثيل وجندت مئات الآلاف في شوارع المدن الكبرى تحت شعار: " الشعب يريد عدالة اجتماعية" ,إلا أنها لم تتمكن من صياغة هذه المطالب على نحو يمكنها من الفوز بها وذلك لقصر رؤيتهم الاجتماعية إضافة إلى عجزهم عن صياغة فهم شامل لتركيبات الدولة الإسرائيلية، مما أدى فى النهاية إلى تجاهل تحقيق العدالة الاجتماعية التى طالبوا بها. وما حدث ليس بجديد فالظلم اتسع نطاقه, فضلا عن ذلك فالاحتجاجات كانت تعبيرية أكثر من كونها تعتمد على مبادئ وأهداف أيديولوجية.على الصعيد التنظيمي رغم أن الاحتجاجات قد أثبتت أن الرأي العام الإسرائيلي من الممكن أن يستيقظ من سباته إلا أنه قد فشل في صياغة أطروحات لتحول الطاقات وتوجهها إلى عمل مباشر مستمر، فضلا عن تقاعسه في إنشاء بنى تحتية تنظيمية تستطيع استغلال هذه الاحتجاجات وتحويلها إلى أنشطة مفيدة تستمر حتى بعد انتهاء هذه الاحتجاجات.
واليوم تشهد الساحة الإسرائيلية العديد من حركات الاحتجاج في ثلاث مجالات أساسية : من اجل إبقاء الهامش الديمقراطي , ضد الضم والاحتلال, والثالث من اجل أمان اقتصادي لكل متضرري الازمة الاقتصادية والتي نبعت من الكورونا.
فما هي مقومات نجاح هذه الحركات اليوم؟؟؟ وما هي سيناريوهات فشلها, كما فشلت من قبلها حركات مشابهة ..!!
عناصر جديدة للازمة الحالية:
1. ان ارتباط الازمة الحالية بالكورونا, قد أزال جزء كبير من العقبات التي أفشلت احتجاجات في السابق, فقد سحبت الكورونا بساط " التحريض" الاثني والطائفي والتي طالما تم استعماله من قبل المؤسسة الحاكمة وحيتان المال لإجهاض حركات الاحتجاج, اعتمادا على الشعار " فرق تسد", وانه " عندما يرتفع صوت المدافع...فكل اليهود اخوة".!
2. ان تدويل الازمة وتشابه سماتها , أفرز نوع من الوعي الدولي المتناغم حول أسئلة مركزية مثل: طبيعة النظام النيوليبرالي, او الربط بين طبيعة النظام ووحشية انعكاساته على الناس , وبدأت المقارنات بين أنظمة الحكم المختلفة وكيفية تعاملها مع الأزمة, وخاصة أوضاع الناس الاقتصادية .
3. تعمقت ولأول مرة, العلاقة بين السياسي, والاجتماعي- الاقتصادي, فرأينا بعد اندلاع حركة الاحتجاج في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية الربط بين وحشية المنظومة الاقتصادية النيو ليرالية, وارتفاع منسوب العنصرية ضد الامريكان الافارقة وحاملي البشرة السوداء والاقليات القومية والدينية وشرائح المهاجرين, وانعكس ذلك أيضا بالربط بين وحشية هذه الأنظمة مع وحشية حكام إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني, والفلسطينيين مواطني الدولة, وحاملي البشرة السوداء من الطائفة الاثيوبية. فرأينا العديد من المظاهرات في العالم ترفع العلم الفلسطيني كتعبير عن آلامهم أيضا.
من مجمل التجربة التاريخية لخبو حركات الاحتجاج في إسرائيل , يمكن تلخيص أربعة سيناريوهات أفشلت في السابق حركات الاحتجاج, ويجب الحذر منها الآن وهي:
1. أهمية البقاء بعيدا عن اغراءات اللعبة البرلمانية:
هذا ما أفشل الفهود السود, وما افشل حركات الاحتجاج 2011. فحركات الاحتجاج يجب ان تبتعد عن الدخول المباشر في الحلبة البرلمانية, وان تعلن عن ذلك كل الوقت وبكل المناسبات.
2. ضرورة التعامل مع العرب بالندية والمساواة الكاملة,:
فابتعاد الفهود السود عن اشراك العرب وقضاياهم كجزء من النضال للعدالة الاجتماعية, واستعلاء حركة سلام الآن على العرب وسكان الضواحي في الجليل والنقب, تحت شعار " نريد حسم بالموقف بين السكان اليهود فقط"؟؟, يعكس عمليا نزع شرعية الأقلية الفلسطينية في إسرائيل من التأثير على المستقبل السياسي في المنطقة. أما في حركات الاحتجاج 2011, كان نوع من المشاركة العربية, لكنها كانت محدودة, وجاءت بأكثر الأحيان من القاعدة وليس كاستراتيجية لقيادة الاحتجاج.
3. مدى منالية الاحتجاج للضواحي والمناطق البعيدة:
حيث يقطن غالبية الغلابى من عمال ومزارعين واصحاب المصالح الصغيرة. فللأسف فان كل الاحتجاجات السابقة ولدت بمراكز المدن الكبيرة وبقيت هناك, وفشلت جميعها في الوصول الى الضواحي والشرائح الأكثر مستضعفة.
4. عدم الاكتفاء بإصلاحات شكلية لا تمس مبنى المنظومة الاقتصادية :
فمقاييس نجاح الحد الادني لحركة الاحتجاج اليوم, هو بمدى اجراء تغيير في مبنى المنظومة الاقتصادية النيوليبرالية, مثل : ضمان دخل للمسنين وأصحاب الاعاقات ليصل الحد الأدنى للدخل, مضاعفة الميزانيات للصحة والتعليم والعمل والرفاه الاجتماعي, والامتناع عن رفع الضرائب على كاهل الناس, وتعويض كل المتضررين من الازمة الحالية بدون تحديد سقف زمني, وفرض ضرائب على أرباح البنوك وحيتان المال والبورصة والمؤسسات المالية الكبيرة.
[email protected]
أضف تعليق