فيما تحاول بعض الدول الإقليمية استرجاع أمجادها الإمبراطورية، على حساب جوارها العربي تبدو المنطقة العربية بأكملها، وكأنها نقطة تقاطع وتلاقي وتصارع معظم الفاعلين الدوليين الذين لا تختلف أهدافهم في المحصلة، هي حرب يشنها الكل ضد الكل، لتقاسم النفوذ والمصالح، في هذه المنطقة، التي تزخر بثرواتها الهائلة، وموقعها الاستراتيجي المتميز.
لا أصدقاء أو حلفاء للعرب، ولا أحد يبكي على أمجاد أمة ممزقة، تائهة، لم يعد هدف زعمائها الالتحاق بركب التقدم والتطور، بقدر اهتمامهم بكراسي الحكم، وسيطرة القبيلة يدفعهم خوفهم على مصائرهم، للمراهنة على أحصنة خاسرة لئيمة، تبحث فقط عن مصالحها القومية.
خلال الحرب العالمية الأولى، جرى اقتسام تركة الإمبراطورية العثمانية، وتمزيق الكيانات العربية بحسب اتفاقية «سايكس ـ بيكو»، وجرى البدء بزراعة كيان استعماري استيطاني في فلسطين، أما في هذه المرحلة، فليس ثمة اتفاق على غرار «سايكس ـ بيكو»، وإنما اتفاق عام أوسع بكثير، وذو أبعاد إقليمية ودولية، يلتقي الجميع فيه على هدف تمزيق الكيانات العربية القطرية، وتقاسم السيطرة على ثرواتها، كل بحسب إمكانياته وقوته، وحساباته.
عدا المنطقة العربية باعتبارها الهدف، تقف أوروبا العجوز عاجزة عن تحصيل حصتها بالقدر الذي يوازي قدرتها، فاتحادها يشبه اتفاق الفصائل الفلسطينية على تنسيق فعاليات مشتركة، فيكون حاصل المجموع أقل وأضعف من حاصل النشاطات التي يقوم بها فصيل وحده.
روسيا، لم تعد الدولة الاشتراكية التي نعرفها أيام الاتحاد السوفياتي، فهي تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة، ولا نقول استعادة حضورها، وذلك بهدف النهوض باقتصادها، وتعزيز دورها العالمي، خاصة بعد أن تغير مفهوم الأمن بسبب التطور الهائل في وسائل القتال، وامتلاك الأسلحة الفتاكة.
الصين هي الأخرى، تبحث عن مصالحها، عبر وسائل اقتصادية وتجارية، لتعزيز تقدمها نحو موقع القوة الأولى متجاوزة الولايات المتحدة، وللإطاحة بالنظام العالمي وحيد القطب.
تتبع الصين سياسة هادئة، لا تجد نفسها مضطرة، لتوظيف إمكانياتها العسكرية، وجيشها، لفرض حضورها، وتوسيع دائرة مصالحها، ونفوذها.
الولايات المتحدة، واضحة أهدافها الاستعمارية في المنطقة وبعد أن خاضت حروباً ضارية ضد بعض دول المنطقة، ونشرت قواعدها العسكرية في كثير من دول المنطقة، تعود لتمارس سياسة أشبه بالشركات الأمنية المأجورة، وتصعد من شراكتها مع إسرائيل.
الولايات المتحدة لا تبحث فقط عن النفوذ والمصالح، وإنما تدافع عن موقعها على رأس حكومة العالم، وتصارع لإرهاق منافسيها في حروب وصراعات، دون أن تفقد السيطرة.
إذا اقتربنا أكثر إلى الإقليم فإن ثلاث قوى كبيرة تتصارع على النفوذ، وتوسيع المصالح، وتتسابق على اقتسام الغنائم دون أن تصطدم على نحو مباشر مع بعضها البعض، إلا بحدود بسيطة.
إسرائيل تتصرف على أساس أن الظروف الدولية والإقليمية الراهنة تسمح لها، بتنفيذ المشروع الصهيوني التوسعي ليس فقط على أرض فلسطين التاريخية، وإنما تتجاوز ذلك إلى مساحة الإقليم كله مدعومة بالسياسة الأميركية، ومدعومة، أيضاً، بضعف عربي شديد.
تركيا تعمل على ثلاث جبهات إقليمية فهي تقوم بترسيخ وجودها العسكري في شمال سورية، بذريعة حماية أمنها القومي، ومنع تطوير كيان كردي على جوارها، وتصعد تدخلها العسكري في شمال العراق تحت الذريعة ذاتها.
المشكلة أن النظام في العراق، لا يحرك ساكناً إلا للتوسل، والإدانة، بينما يصمت عن القصف الإيراني المتزامن، أما القواعد الأميركية الخمس الموجودة في العراق فإنها تصمت صمت القبور. لكأن كل الأطراف المعنية تتواطأ على ما يجري على الحدود الشمالية للعراق بما في ذلك النظام.
وفي ليبيا أصبح التدخل العسكري التركي العنوان الأبرز للوضع، بينما تكتفي أوروبا بالصراخ، وأميركا بالدعوة لوقف إطلاق النار، ما يدفع الصراع إلى آفاق صعبة في ضوء إصرار «حكومة الوفاق» على تحرير سرت، وشعور مصر بتهديد خطير لأمنها القومي.
إيران قصتها معروفة فهي تسعى لترسيخ نفوذها عبر ما يعرف بالهلال الشيعي، والدخول إلى النادي النووي، وعيونها وآذانها مفتوحة على الخليج.
الكل له مشاريع، ويبدي استعداداً لدفع الأثمان، لتحقيق أهدافه واستراتيجياته، إلاّ إسرائيل، التي تحرص على أن لا ينزف دمها، ولكنها تنتظر أن يرتمي العرب في أحضانها يتوسلون الحماية أو الرضا في أقل التقديرات.
العرب وحدهم الذين لا يملكون مشروعاً موحداً، وتتقاسمهم مشاريع قطرية صغيرة، ويتركون أمنهم القومي في أيادي الطامعين بصرف النظر عن أسمائهم ومسمياتهم.
الجامعة العربية تحولت إلى منبر إعلامي، أقرب إلى منظمة مجتمع مدني، بسبب تضارب السياسات القطرية وتشاحنها.
ليس من مخرج سوى أن تعود الحراكات الشعبية الواسعة لفرض أجنداتها، والتنطّح لحماية مصالح وسيادة بلدانها، فهل نكون على موعد مع انفجار شعبي، أم أن الأوضاع لم تنضج بعد؟
[email protected]
أضف تعليق