انشغلت وسائل الاعلام في السنة الأخيرة بطرح العديد من الأسئلة المتعلقة بتمويل الجمعيات الاهلية عامة, وفي المجتمع العربي الفلسطيني داخل إسرائيل خاصة, وتم مناقشة الموضوع من جوانب اتسمت "بالمناكفه", وخصوصا في المعركة الانتخابية الأخيرة.
مهما يكن من أمر فان الموضوع جدير بالطرح والمناقشة, ووضع المعايير وحدود التمويل. والاهم من كل ذلك , ما هي شروط التمويل؟؟.
الجمعيات الاهلية الفلسطينية في إسرائيل:
تم إقرار قانون الجمعيات بشكل رسمي في إسرائيل عام 1980, واستبدل بذلك القانون العثماني ( التنظيمات العثمانية), ووصل عدد الجمعيات المسجلة رسميا الى اكثر من ستين الف جمعية, والفعالة منها أقل من ثلث هذا العدد. أما عدد الجمعيات في المجتمع العربي فيصل الى 13%, والجمعيات المشتركة اليهودية العربية الى 3%.
تنقسم الجمعيات الى 12 نوعا من حيث مجالات عملها وطبيعتها, غالبيتها الساحقة تقديم خدمات في مجالات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية , خاصة مع توسيع سياسة الحكومة في خصخصة الخدمات. فقط 6% عامة و- 11% في المجتمع العربي هي جمعيات " تغيير", اجتماعي وقانوني ونسوي وسياسي. وتلعب هذه الجمعيات دورا هاما مكملا لعمل الأحزاب السياسية في جميع المجالات.
خلفية فكرة التمويل السياسي:
بعد الحرب العالميّة الثانية، شكّل الشيوعيون وحركات التحرر في دول الجنوب، الخطر الأوّل على النظام الرأسمالي في العالم، فنشأت حاجة لابتكار أو تطوير أدوات مواجهة واحتواء الخطر، ومنها تحديث دور المنظمات غير الحكومية، وجميعها تابعة لشركات رأسمالية كبرى في أوروبا والولايات المتّحدة، ومنها "مؤسسة كارنيغي - Carnegie" التي تأسست في عام 1911م و"مؤسسة روكفلر" التي تأسّست في عام 1914م، وشركة "ستاندرد أويل-Standard Oil" وشركة (وكالة التنميةICON ) الألمانية، و(أدم سميثAdam Smith International )البريطانية، (شمونيكس – Chemonics) الأمريكية، و(CHFInternational) ومؤسسة فورد الأمريكية للإنشاءات التي تأسست في عام 1936م، وهي إحدى أشهر المؤسسات المموّلة لمنظمات المجتمع المدني الأمريكي، وتعمل بشكلٍ وثيق مع وزارة الخارجية الأمريكية، وكل ما يخدم أهداف وخطط تلك الوزارة، سيما مشروع "تعميق الديمقراطية والحوكمة الرشيدة" هو جزء كبير من مخطط "بريتون وودز" لتعزيز الكفاءة في السوق الحرة. وتموّل مؤسسة فورد، بملايين الدولارات الفنانين وصانعي الأفلام والناشطين، وتقدم هبات سخية للمنح الجامعية والدراسية؛ وتشمل أهدافها مستقبل البشرية، عبر التدخل في الحركات السياسية الشعبية المحلية والدولية وتغيير اتجاهاتها.
تزامن ظهور دور تلك المنظات مع تشكيل هيئة الأمم المتحدة، التي شيدت فوق قطعة أرض تبرع بها ورثة الثري اليهودي "جون دافيسون روكفلر" مؤسس ومحتكر صناعة النفط في الولايات المتحدة، في عام 1945م، وهم الذين يمولون المنظمات غير الحكومية الأمريكية كافة، بما فيها الهيئات والكيانات التابعة للأمم المتحدة على كثرتها وتنوعها.
وقد يكون من غير المعروف؛ لجمهور القراء وخاصة العربي، بأن مؤسسة روكفلر تمول العديد من المؤسسات السيادية الأمريكية وفي مقدمتها وكالة المخابرات المركزية (CIA) ومجلس العلاقات الخارجية، ومتحف الفن الحديث في نيويورك، ومركز روكفلر في نيويورك، كما أن عائلة روكفلر اليهودية، هي التي قدمت قطعة الأرض التي شيد فوقها مبنى الأمم المتحدة وساهمت في بناءها وتجهيزها بالكامل؛ كما أن عائلتي روتشيلد وروكفلر تمتلكان بنك الاحتياط الفدرالي الذي يقوم مقام البنك المركزي في الولايات المتحدة الأمريكية ويتحكم بحركة الدولار الامريكية وحركة النقد في كافة بنوك العالم تقريباً.
شروط المانحين تكشف طبيعة أهدافهم:
لا شك أن الحصول على أي تمويل يجب أن يتم فحصه من عدة نواحي أهمها : من هي الجهة المانحة, وتاريخها وسبب قيامها, ومدى ارتباطها مع المنظومة السياسية النيوليبرالية. ولكن أهم ما يجب فحصه هو " شروط المنحة" !!
ومن أغرب شروط المانحين الفظة والمنافية لأهداف التنمية الحقيقية في فلسطين مثلا، إنها تمتنع عن دعم المشاريع الفلسطينية في مناطق (B) و (C)، إلا بشروط إسرائيلية مسبقة، وتحول هذا القيد إلى شرط مقدس لا يمكن تجاوزه بالنسبة لهم، وانحصر دعمهم للمشاريع المنفذة داخل مناطق (ِA), أما الموافقة من قبلهم على تمويل أي مشروع خارج هذه المنطقة فإنه يحتاج إلى دراسة إسرائيلية معمقة، ومن ثم موافقة مكبلة بالشروط والقيود، وهو أمر يتم بعد تأكد إسرائيل من أن هذا المشروع أو ذاك لا يتعارض مع أهدافها وخططها المستقبلية، إن لم يكن خادماً لها!.
أما في أيامنا هذه وبعد جائحة كورونا, نجد اتجاهات جديدة في سياسة التمويل السياسي:
1. العودة الى شيطنة اليسار والشيوعيين , وتمثل ذلك باستبدال ترامب مهاجمة " الصين" الى مهاجمة " الحزب الشيوعي الصيني",!! خاصة بامريكا اللاتينية وأوروبا.
2. دعم مشاريع سياسية إقليمية تصب بصالح الولايات المتحدة وأوروبا الغربية, خاصة بموضوع "التطبيع" مع أسرائيل.
3. دعم مشاريع تمنع المس بالمنظومة الاقتصادية النيوليبرالية والنموذج الرأسمالي.
أمام كل ذلك, ولمنع المهاترات بموضوع التمويل واغراق مواقع التواصل الاجتماعي بالاتهامات والاتهامات المعاكسة, أن تقوم كل جمعية تحصل على تمويل خارجي كشف قيمة التمويل للجمهور الواسع بشفافية كاملة, والاهم من ذلك كيف تم صرف المنحة وماذا كانت الشروط الموقع عليها لنيلها.!!
لا مانع بالحصول على اية منحة من افراد او مؤسسات, حكومية او خارجية, ولكن ما هو ممنوع أن يتم اشتراط أي تمويل بدفع ثمن سياسي او وطني لان هذا يتحول الى خيانة.
انتهى
[email protected]
أضف تعليق