طالما حاولت تفسير وفهم سلوكيات الناس والأفراد أصحاب المبادئ وخاصة المصلّين والمتدينين منهم.
أحترم كل الناس بتفكيرهم وقدراتهم، فمثلا عندما أجد رجلا أو امرأة، شابا أو شابة يتمسكون بالعبادات والسّلوكيات الدينية أبدأ برسم شخصيتهم وميزاتها الإيجابية، كون هذه الشخصية من المفروض أن تتميز بسلوكها وبخصال معينة أسوة بمعتقداتها وبأيمانها.
لكن وللأسف الشديد كثيرا ما تحدث مفارقات ومناقضات في ذهني، وهي نتيجة للفرق بين السلوك المتوقع وبين السلوك الحقيقي.
فنجد في الواقع من يصلّي أو يصوم أو يحج أو يبدو تقيا أو خطيبا وفي نفس الوقت نجده يكذب، أو يسرق أو انه عنيف أو دسّاس أو مشاغب أو مفرّق ذات البين أو معتدي أو. أو..
والسؤال الذي ظللت أطرحه على نفسي، كيف من الممكن أن يكون الأنسان في حيزين متناقضين؟
وحاولت مجتهدا لإيجاد تفسير مُبسط لهذا التناقض. ومن خلال نمط ومبدأ "الميزانية الصفرية" يمكن تفسير هذه الأفة.
لقد برز مبدأ "الميزانية الصفرية" في المجال الاقتصادي. هذا المبدأ له فوائد اقتصادية في إدارة الشركات. التفسير المجرد للمبدأ هو: يمكنك التغيير في بنود الإنفاق أو الاستخدامات، وعلى وجه الخصوص الحفاظ على مستوى الإنفاق مساوٍ لمستوى الدخل لهذه البنود، والعكس صحيح: يمكن إجراء تغييرات في مستوى بنود الدخل وعلى وجه الخصوص الحفاظ على مساواتها بمستوى الإنفاق. بهذه الطريقة، يتم الحفاظ على مستوى الميزانية والحفاظ على الموازنة.
اللغة الدارجة بين الناس لتصميم وتقدير وتقييم سلوكياتهم هي "ميزان الحسنات أو الثواب مقابل السيئات" وهي نتاج للأفعال والسلوكيات القائمة أو النابعة من المعتقدات، والأيمان، والمواقف، والأفكار. فعندما نقول كلمة "ميزان"، بتصوري يقوم الفرد بتفسيرها حسابيا. أي باستعماله معادلة حسابية بسيطة على النّحو التّالي:
بمفهوم الفرد يجب عليه المحافظة على الموازنة، أي قدر أو مستوى ميزان الحسنات والسيئات يكون على الأقل مساو للصفر. بكلمات أخرى، أي إذا قام الفرد بأفعال وسلوكيات إجابيه، له الشرعية للقيام بأفعال وسلوكيات سيئة، وبذلك يحافظ على موقعه الأني أمام نفسه وخالقه بحسب مفهومه "للميزان". وبهذه الطريقة باعتقاده هو موجود في منطقة الأمان في الدنيا والأخرة.
وهنا تكمن المصيبة والتي في أعقابها لا نعرف من هو أنسان الخير، ومن هو أنسان الشّر.
لذا تداخلت وتشابكت والتبست مفاهيمنا لتقييم الشخص الذي أمامنا. نتيجة لهذا الارتباك نبتعد عن الناس ونفقد الثقة بهم ولا نعد نحترمهم كأشخاص ولا نعد نحترم تطبيقهم لمعتقداتهم.
بمفهومي ميزان الحسنات والسيئات لا يقع في بوتقة العلم الرّياضي، أنما يقع في بوتقة تجلّي وتربية النفس البشريّة والتحامها مع الخير بتوجيهات باريها. بكلمات أخرى، الأنسان يعظّم ميزان حسناته بواسطة تكثيف السّلوك والأفعال الحميدة وإصلاحها الدائم وتهذيب النفس البشرية، ليس على أساس المعادلة الحسابية بل من أجل الارتقاء بها الى الأفضل بتوجيهات باريها.
بذلك أردت توضيح وتفسير هذه الأفة لكي نغير مفهومنا وإدراكنا لموضوع وحيثيات "ميزان الحسنات والسيئات".
بناء على ما سبق لا يمكن تفعيل مبدأ "الميزانية الصفرية" في سيرورة صقل وتهذيب الذات البشرية، لأنه لا يمكن الجمع بين الماء والزيت.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]