ما معنى التطبيع في هذا السّياقِ: أقصدُ التطبيعَ مع المحتلّ أو مع العدوّ، بمعنى أن يقوم المعتدى عليه أو المظلوم بالتّطبيع مع الظّالمِ من دون الحصول على الحقوق كاملة غير مجزوءة.
إنّ التطبيعَ مع المحتلّ يعطي شرعيّةً للاحتلال.
كلّكم يعرف كيف سيطرت الصهيونيّة على فلسطين وشرّدت شعبَها حتى أصبح الكثيرون لاجئين في الوطن وخارج الوطن، هذا بالإضافة للقتل والإرهاب اللذيْن مورسا ضدّ الشّعب الفلسطينيّ المسالم، فكانت أكبر عمليّة سطو مسلّح حدثت في التّاريخ. فقضيّة فلسطين هي قضيّة الأرض والوطن والإنسان، قضيّة اللاجئين والشّهداء والأسرى. لذا القضيّة قضيّة وجود وليست قضيّة حدود.
لا أحدَ يستطيع أن يتّهم فلسطينيّي الدّاخل بالتطبيع كونهم يحملون الهُويّة الصهيونيّة، فلقد فُرِضت عليهم فرضًا لأنّ من يتنازل عنها سيجد نفسَه خارجَ الوطنِ. وفلسطينيّو الدّاخل هم الذين حافظوا على الوطنِ وعلى القضيّةِ من الضّياعِ وهم يعيشون الكثير من التّناقضات بين هُويّتهم الفلسطينيّة من جهة وبين الهُويّة الصهيونيّة التي فُرضت عليهم. لذلك يجب علينا، نحن فلسطينيّي الدّاخل، أن نعرفَ كيف نعيش التّناقضات من دون التّنازل عن هُويتنا الفلسطينيّة وعن الثّوابتِ الفلسطينيّة. فمثلا الفلسطينيّ في الداخل يجب أن يعمل كي يعيش بحريّة وبكرامة، فأحيانا يُفرضُ على الطبيبِ أن يعملَ بمشفى صهيونيّ وعلى المحامي أن يظهرَ في المحكمة الصهيونيّة وهكذا دواليك، لكنّ هذا لا يعتبر تطبيعًا، لأننا يجب أن نعمل كي نعيشَ كرماء في وطنِنا السّليب.
ولكن من ناحية أخرى لا يُفرض علينا، نحن فلسطينيّي الدّاخل، دخول المؤسّسة من جيش وسلطة تشريعيّة( الكنيست) وسلطة قضائية( كقضاة) ومخابرات، لذا برأيي من يدخل هذه المؤسّسات يعتبر مطبّعا وبامتياز. لذا موقفي أنا مقاطعة الانتخابات للكنيست الصهيونيّ بشكلٍ مبدئيّ وأيضا عدم دخول أيّة مؤسّسة صهيونيّة. وموقفي أيضا من الأحزاب العربيّة التي تدخل الكنيست الصهيونيّ بأنّها مطبّعة وبامتياز، إذ هي تقوم بتحويل الصّراع من صراع على الوجود إلى صراع على الحقوق المدنيّة وأخصّ بالذّكر الحزب الشيوعيّ الإسرائيليّ، الذي اسمه يدلّ على التطبيع وهو أول حزب شارك في انتخابات الكنيست ومنذ النكبة وهو الذي وافق على قرار التقسيم وأيضا حفّز الفلسطينيّين في المنطقة العربية حسب قرار التقسيم، أن يقوموا بالتصويت، لذا فهذه الأحزاب مطبّعة بامتياز وتعطي شرعيّة للاحتلال.
أما السّلطة الفلسطينيّة فحدّث ولا حرج، فهي ليست مطبّعة مع الاحتلال فحسب بل تقوم بالتنسيقِ الأمنيّ معه حسب معاهدة أوسلو الاستسلاميّة التي قوّضت القضيّة الفلسطينيّة.
وأمّا التطبيع العربيّ من الخارج عن طريق الدول العربيّة وخاصّة الدول الخليجيّة الخائنة فهذا العار بعينه فلقد نسوْا أو تناسوا أنّ قضيّة فلسطين هي قضيّة العرب الأولى وأن العدوّ المشترك لنا، نحن العرب، هي الصهيونيّة ومشتقّاتها.
لذا أهيب بالشّعب الفلسطينيّ وأقول: ما حكّ جلدَك غيرُ ظفرك فتولّ أنت جميع أمرك.
أخوكم: جريس بولس. محام وسياسيّ وكاتب.
كفرياسيف- الجليل- فلسطين.
[email protected]
أضف تعليق