الآن وقد اوشكت ازمة الكورونا على الانتهاء وبدأت الحكومة بالسماح تدريجيا بإعادة فتح المصالح التجارية والمرافق الحياتية المختلفة, علينا كأفراد تقييم الأوضاع الإقتصادية والمالية عامةً ووضعنا الخاص في اعقاب هذه الأزمة, بما في ذلك امكانيات وسبل النهوض بأعمالنا والعودة بها الى مسارها المعهود.
لا شك ان المرحلة المقبلة تحمل في طياتها تحديات كبيرة نظراً لما خلفته تلك الأزمة من اضرار اقتصادية هائلة على الصعيد القطري, بل العالمي. فبحسب المعطيات الأخيرة التي نشرها مكتب العمل, وصلت نسبة البطالة في اسرائيل الى 27% وهي نسبة غير مسبوقة.
كما اثرت الأزمة سلباً على المصالح التجارية, خاصة الصغيرة منها والمتوسطة, والتي عانت من انخفاض كبير في نشاطها الاقتصادي, الامر الذي اثر بالتالي على حجم مدخولاتها. بعض المصالح حاولت "التأقلم" مع ذلك الوضع عبر تقليص مصروفاتها قدر المكان وذلك كي لا تصل الى حالة من العجز الاقتصادي. الكثير من المصالح قامت بتقليص القوة العاملة لديها عبر احالتهم الى عُطَل غير مدفوعة الاجر او حتى اقالتهم من العمل. في حالات عدة لم تجد تلك المصالح اية حلول تسعفها اذ ان انعدام الدخل الثابت ادى الى عدم تمكنها من تسديد التزاماتها المادية. وفي حين كانت تلك المصالح التجارية تجتهد قبل فترة الكورونا لتحافظ على توازن اقتصادي معين يضمن استمراريتها, ادى اختلال ذلك التوازن الى ازمة مادية اضطُرت جراءها الى اغلاق ابوابها وانهاء نشاطها.
كما هو معلوم ومؤكد فإن العلاقة بين نسبة البطالة وبين عدد المصالح الناشطة هي علاقة وثيقة, فانهيار المصالح معناه انخفاض في اماكن العمل المتوفرة وبالتالي ارتفاع نسبة البطالة. والعكس صحيح تماماً, فالعودة الى العمل مرهونة بتوفير اماكن عمل وإعادة ترميم المصالح التي تضررت أو بناء مصالح جديدة. من هنا فإن العودة الى المسار الصحيح هي عملية مركبة وغير مقتصرة على الفرد وحده, وانما على الدولة كحكومة ومؤسسات, والتي هي ملزمة بإيجاد الحلول والسبل المناسبة لأشفاء الاقتصاد. عملية الإشفاء تلك تتطلب وضع خطة اقتصادية شاملة ورصد ميزانيات ضخمة.
نظرا لحجم المهمة والتحدي يبدو من الواضح اننا بصدد مرحلة طويله الامد من الاصلاح واعادة البناء من جديد. فانتهاء فترة الكورونا ليست الا بداية مرحلة انتقالية جديدة – مرحلة من نوع اخر, يسودها عدم اليقين وتتراود الى الذهن فيها اسئلة عديدة حول مدى توفر اماكن عمل وكيفية القيام بالالتزامات المالية السابقة في ظل التغيير في الدخل.
بالنسبة لبعض العاملين في مجالات عمل معينة (كمجال الصحة مثلا) والذين واصلوا عملهم كالمعتاد إبان الازمة, لم يكن لأزمة الكورونا تأثيرا كبيرا عليهم على الصعيد الاقتصادي. لدى اخرين, كانت فترة الكورونا فترة محدودة, ذات تأثير مؤقت على مدخولهم, الا انها لم تمنعهم من الرجوع الى عملهم السابق فور انتهائها.
ولكن هنالك فئة ثالثة كبيرة من الأجيرين ومن اصحاب المصالح الصغيرة التي اغلقت, خسروا كليا اماكن عملهم ومصادر دخلهم وهم يقفون الان على عتبة مرحلة حرجة قد تكون لها تأثيرات وابعاد على المدى الطويل. بالنسبة لهؤلاء, انعدام مصدر الدخل يعني الصعوبة في توفير لقمة العيش والقيام بالالتزامات المادية المختلفة الملقاة على عاتقهم, كتسديد مصاريف السكن, والتعليم وغيرها. واذا كان الامر كذلك فمن المؤكد انهم سيواجهون صعوبات اكبر بتسديد القروض البنكية وغيرها. اما بالنسبة لأصحاب المصالح المتضررة, والذين اغلقت مصالحهم نتيجة الازمة, فهنالك التزامات من نوع وحجم اكبر, والمهمة في هذه الحالة هي شبه مستحيلة. لدى هذه الفئة من المواطنين الاحتمال ان يجدوا انفسهم ازاء دعاوى قضائية وفتح ملفات اجراء ضدهم هو احتمال وارد وغير مستبعد.
من هنا يتوجب على كل من يرى نفسه بصدد مرحلة مماثلة تبني فكر واقعي وعملي يهدف الى ايجاد طرق لتقليل الاضرار من خلال استباق الاحداث, والمبادرة بحلول قانونية تضمن تجميد فوري لأية اجراءات قد تتخذ بحق الافراد من قبل مؤسسات تجارية كالبنوك وغيرها, كرفع دعاوى قضائية, فتح ملفات في دائرة التنفيذ, فرض حجوزات وقيود ضدهم ولى ما شابه. المبادرة, الان وليس غداً, بإجراءات احترازية من هذا النوع هي بمثابة خطوة اقتصادية وقانونية سليمة, تهدف الى منع تفاقم المشكلة وتوفير بيئة حياتية طبيعية تمكّن من ايجاد مكان عمل والنهوض من جديد. قانون الإعسار والإصلاح الاقتصادي (חוק חדלות פירעון ושיקום כלכלי) الجديد يقدم حلولا تهدف الى الاصلاح واعادة التأهيل الاقتصادي في حالات مماثلة ومن الجدير الاخذ بعين الاعتبار ما يقدمه القانون من حلول, قد تكون هي الانسب لهذه المرحلة.
[email protected]
أضف تعليق