"زوجتي، والدي، ووالدتي وسائر أقاربي وأصدقائي يعترفون بالفم الملآن بأنني أكثر من مجرد ذبابة. هم يقولون أن أية محاولة للمقارنة بيني وبين الذبابة إنما هي أمر مضحك، يكفي، مثلًا، وضعي إلى جانب ذبابة للتأكد من أنها أدنى مني في عدة مجالات هامة. زوجتي تدعي أنني حتى لو كنت قزمًا- وأنا لست كذلك، طبعًا- فعندها أيضًا أكون أعلى وأكبر من ذبابة. لا حاجة للتواضع، إنها محقّة تمامًا، ويمكنني أن أنام ليلًا بهدوء وارتياح واثقًا من أنني، في جميع الأحوال، أكثر من مجرد ذبابة".
مونولوج الذبابة هذا وهو جزء من المسرحية الساخنة "ملكة البانيو" التي كُتبت وعرضت عام 1970. المؤلف المسرحي حانوخ ليفين يهاجم التهوّر الحاصل في أعقاب حرب الأيام الستة، ثم بدأت تظهر بوادر التصدّع في المكابرة الإسرائيلية على هامش حرب الاستنزاف.
هذه المسرحية الساخرة الثاقبة، سخرت بمدة من الأسلوب الشعبوي المتمثل باختيار نموذج للمقارنة الدنيئة التي تُظهرنا "أكبر من ذبابة".
الويل لنا، إذ جاء يوم أصبحت فيه هذه المسرحية الساخرة، إبنة الخمسين عامًا، أعجز من توصيف الواقع السياسي الذي نشهده اليوم.
مثلًا، في موضوع أزمة الكورونا ومعالجتها من جهة الحكومة، يرسّخ ملك الجاكوزي المقيم في شارع "بلفور" (نتنياهو) أسلوبًا مشابهًا بخصوص الرد على الانتقادات المحقّة لإخفاقات المعالجة الحكومية للأزمة الصحية التي أفرزها وباء الكورونا، وللأزمة الاقتصادية المتفاقمة بسببه. انه (نتنياهو) يختار "الذباب" للمقارنة لي يبدو أعلى وأكبر منها. الذبابة يمكن أن تكون إيطاليا، بلجيكا، أو النمسا، وذلك فقط من أجل تجنب الجدل حول المماطلات البيروقراطية القاسية في معالجة المشاكل الاقتصادية الحارقة، أو حول التقصير المعيب في انعدام التخطيط للخروج من اغلاق جهاز التعليم ومجال الصناعة رغم أنه توفرت أسابيع عديدة لتخطيط واحتواء هذا الأمر، إذن، الذبابة البلجيكية أيضًا لم تقم بالتخطيط، ويفترض أن يكون لنا عزاء في ذلك.
كذلك في قضية الأزمة السياسية، فإننا معرّضون لأفعال ذبابية من هذا القبيل. في إطار الاتفاقية الائتلافية المركبة التي وقع عليها المهتم والسذّج، هم يحاولون اقناع مصوتيهم بأن ضرورة التوقيع على اتفاقية بين خصوم سياسيين أشدّاء في خضم المعركة الانتخابية قد نشأت من التحدي الهائل لأزمة الكورونا في نواحيها الصحية والاقتصادية. هذا هو السبب الذي يبرّر- حسب اقوالهم وحسب عرض ادعاءاتهم أمام المحكمة العليا- التوافق على السير معًا والاتفاقية المنافية للدستور. هنا أيضًا يتاح ايجاد "الذبابة" للمقارنة: الاتفاقية المناخية للدستور أفضل من "ذبابة" انتخابات رابعة.
لكن إذا كانت الأزمة عميقة إلى هذه الدرجة، وأمّة نازفة ملقاة على حمّالة الإسعاف التي يبدي غانتس استعداده للانحناء تحتها بقامته التي تبلغ حد الزحف- فكيف لم نتنبّه إلى أنه ما لم تمكّن المحكمة العليا نتنياهو من تشكيل حكومة طوارئ برئاسته. فإن البديل ليس فقط "ذبابة" الانتخابات الرابعة، بل أيضًا حكومة طوارئ مكونة من الليكود و "كاحول لافان" لكن بدون نتنياهو. غير أن هذا البديل لم يعد ذبابة ولذا فإنه لن يُطرح أمام الشعب أو أمام المحكمة العليا، ثم أنه لا يوجد أي اقل يمكنه أن يوازي بين المقولة التي تفيد بأنه في زمن أزمة بهذا الحجم، ومن الواجب تشكيل حكومة طوارئ والقولة التي تفيد بأن حكومة طوارئ كبيرة بالتناوب مع ساعر، كاتس، أردان أو أي زعيم آخر لليكود، ليست حلًا أفضل من انتخابات رابعة.
المدرك يتساءل في هذا اليوم عن المصلحة الكامنة في كون انتخابات رابعة أفضل من حكومة طوارئ بدون نتنياهو فلا يجد جوابًا آخر سوى أن هذا ليس من مصلحة الدولة، بل من مصلحة نتنياهو- ملك الجاكوزي. أين أنت يا حانوخ ليفين بينما نحن بحاجة إلى حكمتك؟
كوبي "يعقوب" رختر هو عقيد طيار متقاعد ورجل أعمال اسرائيلي ورئيس حركة "دركينو – طريقنا "
[email protected]
أضف تعليق