بقلم: جريس بولس. كفرياسيف
الحلقة الثالثة: اللعبة هي أكبر بكثير مما هو ظاهر للعيان:
مقدِّمة: كان كبار صانعي السّياسة الأمريكيَّة من أمثال هنري كيسنجر يعاينون الحرب في الشَّرق الأوسط كوسيلة يمكن من خلالها وضع حجر الأساس لهيمنة إمبرياليَّة عالميَّة. وفي الواقع أنَّ السيناريو يشير إلى أنَّ الصِّراع العربيّ- الإسرائيليّ حول فلسطين قد تَمَّ افتعاله من البدايةِ بهدف إشعال فتيل حرب عالميَّة.
من هو هنري كيسنجر؟:
هنري كيسنجر هو يهوديّ صهيونيّ ومن "المحافظين الجدد" ويُلقّب "بثعلب الدبلوماسيَّة العالميَّة". وكتابه المشهور هو "الدبلوماسيَّة" وهو صاحب المقولة: لا حرب بلا مصر ولا سلام بلا سوريَّة وحتى الآن أثبتت هذه المقولة نفسها، فبعد إبرام إتفاقيَّة كامب ديفيد وإخراج مصر من معادلة الصّراع توقّفت الحرب بين العرب وإسرائيل ولأنَّ سوريَّا لم توافق على السّلام، فلا سلام حقيقيّ بين العرب وإسرائيل وما هو موجود من اتّفاقيات ما هو إلا تسويات بين العرب وإسرائيل. وقد تبوأ هذا الثعلب الكثير من المناصب في الإدارة الأمريكيَّة حتى وصل إلى منصب وزير للخارجيَّة. وحسب رأيي هو الذي أوجد ما يسمّى "بمسألة قبرص".
عودة إلى المقدِّمَة:
وقد كُشف عن هذا السّيناريو المدهش الذي ذكرناه في المقدِّمَة في الفقرة الأخيرة في كتاب صدر عام 1975 وتوارى في طيِّ النسيان، والكتاب هو:
العرب: تاريخهم، أهداف وتحدّيات للعالم الصّناعيّ .
The Arabs: Their History, Aims And Challenge To The Industrial World
وهو من تأليف: الكاتب الأمريكيّ المؤيد للصهيونيّة "توماس كايرنان"
وعلى الرّغم من أنَّ كايرنان لم يذكرْ اسم صانع السّياسة الكبير الذي وضع هذه الخطَّة الجيوسياسيَّة المذهلة، إلّا أنّهُ وصف هذا الشخص بأنَّه "موظف كبير في وزارة الخارجيَّة الأمريكيَّة لعب دوراً رئيساً في جهود وساطة هنري كيسنجر في العاميْن السّابقيْن".
وهذا الوصف، بالطَّبع، يمكن أن يشمل كيسنجر، وإذا قُدّر للحقيقة أنْ تظهر، فإنَّ من المرجّح أن يكون المتحدث هو كيسنجر نفسه. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن المتحدِّث يعكس تفكير كيسنجر في الخطط والمكائد العالميَّة.
وفي الإجابة عن سؤال وجَّهه كايرنان حول ما إذا كان صراع الشّرق الأوسط يمكن حلّه بدون حرب، أجاب المتَحدِّث (وهو ربما كيسنجر) مؤكّداً: "إن تطوّر الأحداث في الشَّرق الأوسط في هذا القرن يمكن تشبيهها ببناء هرم معكوس، إن استطعت ان تتصوِّر ذلك. وقمَّة الهرم في مثل حالة هذا الهرم ستكون قاعدته، قد تشكّلت من الصراع الحتميّ بين احتياجات وطموحات "الصهيونيَّة" الأجنبية من جهة، وبين عزَّة وطموح السكّان العرب المحليِّين من جهة أخرى". (أُنظر:
Thomas Kiernan. The Arabs. (Boston: Little Brown And Company, 1975, P. 425
لاحِظ أنّ المتحدّث يعترف بأنَّ الصِّراع الناشئ عن زرع الدّولة الصهيونيَّة في الأراضي العربيَّة في فلسطين كان "حتميَّاً". وقد وُجد من قال منذ أجيال سابقة بأنَّ هذا هو الهدف من وراء تأسيس إسرائيل منذ البداية.
ويتابع المتحدِّث قوله:
"وبينما يتزايد حجم الهرم، فإنّ اللّبنات التي ستوضع في أُطرِه المتوسِّعة ستضيف إليه عناصر جديدة- عواطف وأحاسيس مصالح أجنبيَّة أخرى، إضافة إلى عواطف وطموحات المجموعات الوطنيَّة الأخرى في العالم العربيّ.
وكلّ إطار متتابع سيجذب إليه مزيداً من العالم. والآن ومع اكتمال الهرم، فإنَّه يقف ثابتاً على رأسه بتوازن متنافر على زواياه. وتمتدُّ أطرافه الأربعة إلى كلِّ زاوية من زوايا العالم". (المرجع السَّابق).
وبعبارة أُخرى، فإنَّ الأزمة في الشَّرق الأوسط قد بدأت في استقطاب أمم العالم- فيما يشبه، بالتحديد ما جرى من صراع بين الولايات المتّحدة وحلفائها التقليديّين مثل فرنسا وألمانيا، مع عدم إغفال ذكر معارضة روسيا والصّين، حول قضيَّة الحرب مع العراق- التي هي امتداد للصّراع العربيّ الإسرائيليّ نفسه.
ويستمر وصف السِّيناريو:
"إننا جميعاً نعلم انه من المستحيل على الهرم أنْ يقف حرَّاً وهو في وضع معكوس. وحتى الآن، فقد استطاع الوقوف على رأسه بسبب دعم بقيّة العالم له.
وعلى الرَّغم من تأرجح هذا الهرم من وقت لآخر، إلَّا انّه استطاع البقاء لدرجة ما صامداً. إلَّا أنّ جهود إبقائهِ منتصباً رأساً على عقب قد فرضت توتّراً كبيراً ومتزايداً على من يدعمونه.
والتوتّر كما يقول علماء النفس (السيكولوجي)، يمكن علاجه بإحدى طريقتين:
الأولى: عن طريق الإنفجار، والثانية هي التراجع والإنسحاب.
إنَّ آلية المواجهة والقتال أو الهرب والانكفاء يشكّلان جزءاً من نظام الاستجابة لدى كل إنسان. والآن انت تقول لي، هل ستحَلّ سلميَّاً؟ أم ان الأمر سيستدعي حرباً عالميَّة للوصول إلى النهاية؟
إذا كان تحليلي صحيحاً، فإنَّه ليس هناك أدنى شكّ حول المحصّلة النهائية". (المرجع السابق نفسه).
بعبارة أُخرى، فإنَّ حرباً عالميَّة يجب أن تحدث كنتيجة للصراع العربيّ الإسرائيليّ.
ويستمرّ السّيناريو:
"وبطريقة أو بأخرى- وسواء أرخى هذا الطرف أو ذاك دعمه لهذا الهرم وانسحب، أو سواء اختار أحد الأطراف أنْ ينهي توتّره بالهيجان والإنفجار- فإنَّ الهرم سيفقد توازنه ويسقط على الأرض.
وفي جميع الأحوال، فإنَّ نتيجة الموقف ستظهر من خلال الغبار والدَّمار الذي نتج عن انهيار الهرم. وسيتوارى الصّراع العربيّ الإسرائيليّ الذي بدأ هذا كلّه في طي النسيان" (المرجع السّابق نفسه).
مرَّة أخرى، لاحِظ الإشارة إلى أنَّ الصّراع العربيّ-الإسرائيليّ هو بالفعل محور الحرب العالميّة الموصوفة في هذا الملخَّص المرعب.
وينتهي السّيناريو بالمشهد التالي:
"وسيُترك الشّرق والغرب لمعاينة ما تبقّى من آثار الدّمار، تماماً كالعقبان التي تأكُل الجَيفة. هذا إذا بقي هناك شرق وغرب".
لاحظ الكلمات الختاميَّة "إذا بقي هناك شرق وغرب". ما هي الدول التي ستتحالف لتكون "الشَّرق" وتلك التي ستكون "الغرب"؟
هل سيظهر استقطاب جديد يحلّ محلّ القطبين التقليديّيْن في الحرب الباردة " الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفياتي في حينه"؟
هل العالم العربيّ- وإلى جانبه بقيّة البشر- هم أحجار على رقعة الشطرنج في لعبة أكبر يشكّل المحافظون الجدد فيها أداة؟
ويبقى أمامنا أن ننتظر لنشاهد المحصّلة النهائية لجهود تحقيق الإمبراطوريَّة العالميَّة- كما تمليها القوَّة العسكريَّة الأمريكيَّة في يد حفنة قليلة هم الزُّمرة النخبويَّة من المحافظين الجدد، صقور الحرب المتشدّدين "كهنة الحرب الكبار". إلّا أنّه وبناء على ما شاهدناه حتى الآن، فإنَّ مزيداً من الدِّماء ستُسفك وسيستمر النّزيف.
إن المغامرة الأمريكيَّة في العراق هي فقط كانت البداية- ونحن في بداية البداية.
ومنذ أنْ أعلنَ الرئيس بوش "النَّصر" في العراق والأمور تسير من سيئ إلى أسوأ. فقط تحوَّل النَّصر الأمريكيّ قصير الأمد إلى مستنقع فيتنامي جديد- ويتوالى وصول النّعوش المحمّلة بالجنود القتلى يوميَّاً.
كما أنَّ أسطورة المحافظين الجدد حول "أسلحة الدَّمار الشامل" التي بحوزة صدّام حسين قد أعلن أنّها كذبة كان يعلمها من البداية هؤلاء الأشخاص المستنيرون والمطّلعون. وقد بدأت أعداد كبيرة من أفراد الشّعب الأمريكيّ إدراك ان الحجج والذرائع التي سيقت لتسويغ الحرب على العراق لم تكن سوى أكاذيب قديمة ودعاية إعلاميَّة.
والحقيقة هي: أن رئيس الولايات المتّحدة قد كذَّبَ على الشعب الأمريكيّ وكذَّب على العالم بأسره.
لقد كان تحت تأثير مستشاريه من المحافظين الجدد- وكلهم كذَّابون- قد مهّدوا الأمر لموت المزيد والمزيد من الأمريكيّين وغيرهم من شعوب العالم في مختلف أرجاء المعمورة.
وقد تكون النتيجة النهائية هي بالفعل صراعاً محتدماً حول العالم.
بالتأكيد ليس هناك أي شيء "أمريكيّ" أو "وطنيّ" حول الدّوافع الأيدولوجيَّة أو الدينيَّة أو الجيوسياسيَّة لكهنة الحرب الكبار من المحافظين الجدد، وذلك على الرَّغم من انهم يدّعون هذه الأيام بأنهم هم الوطنيّون الحقيقيّون، وأنهم القادة الحقيقيّون، وانهم المقاتلون الحقيقيّون بحسب التقاليد الأمريكيَّة. ولا شيء يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقية من تلك الإدّعاءات.
إنَّ مصلحة أمريكا- والعالم كذلك- لن تتحقّق سوى بالعزم الرّاسخ والحازم على التخلّص من هؤلاء القتلة المفترسين قطعيَّاً ونهائيَّاً.
لقد حان وقت ذلك حقَّاً. ويجب فعل شيء ما.
[email protected]
أضف تعليق