"أنا "آمنة صلاح الشناوي"، ولدت سنة 1924، نشأت في بيت متدين، مخلص للوطن، في مدينة حيفا. كان اسم شارعنا شارع الخضيرة، سُمّي شارع هشومير. بعد ما دخل اليهود إلى فلسطين، واستقرّوا، غيّروا الأسماء.
لما صار عمري سبع سنوات؛ بَدينا نتعلم الأغاني؛ إللي ردّدوها الشهداء الثلاثة: "فؤاد حجازي"، و"عطا الزير"، و"محمد جمجوم":
يا ظلام السجن خيّم إننا نهوى الظلاما ليس بعد الليل إلاّ فجر مجد يتسامى
وبعد إعدامهم تغيّرت:
يا ظلام القبر خيّم كلنا نهوى الظلاما ليس بعد الموت إلاّ فجر مجد يتسامى
أيها الحراس رفقاً واسمعوا منا الكلاما علِّقوا الحبل اشنُقونا إننا متنا كراما
دخلت مدرسة المعارف الأميرية للصف الثالث مباشرة، وبعدين مدرسة الاستقلال، كانت مديرة المدرسة: "نهيزة بدران"؛ تبثّ فينا الروح الوطنية. وتعلمنا الأناشيد، مثل: سوريا حماة الديار، وجنة الدنيا بلادي. وبعض الأبيات من شعر "معروف الرصافي":
وقد كانت نساء الكون قُدماً يَرُحن الى الحروب مع الغزاة
يَكُنَّ لهم على الأعداء عوناً ويضمِدنَ الجروح الداميات
وهذا كان يشجعنا. صرنا نتدرّب على الإسعافات الأولية.
ستي أم أمي: "هدى أبو زيد"، كان دورها عظيم جداً. كانت كثير وطنية. دار "صباحي"، لقيتهُم واقفين على الشبابيك عم ينادوا، كان بيتهم ثلاث طوابق من جِهَة، وجِهَة طابق أول، ممكن تطلعي لُه بِسَبَع درجات، فيه شَبّ من شبابهم، عِندُه مسدس فيه سبع طلقات، شاف إنه اليهود عم بيتكتّلوا، بِدهُم يهاجمونا، حمل مسدّس، ووقف على سابع درجة، طلع لُه يهودي حامل مسدس، من فوق ضرب على اللي هاجمه أول رصاصة؛ ما أصابته، هذاك ضربه رصاصة؛ ما أصابته؛ كثر عدد اليهود، وبعدين خلصت السبع طلقات اللي معه. ستّي شو عملت؟ عِنّا البَرَندَة حاطّين عليها تنك الزرّيعة بالأرض؛ زَتّت الزريعة بالأرض؛ مسكت المورينة؛ لأنّه نزّل ميّه كثير من سقي الزراعة، صار لونها غامق، صارت بتبيّن كأنها بوز مدفع، دوّرت المورينة على اليهود اللي جايين مهاجمين، هِنّة شافوا هالشكل، واللي صار يصرخ: أركضوا، ونجا هالرجل بأعجوبة، كلّياتهم هربوا.
خلّصت الصف الخامس، وانتقل الصف السادس لَحيّ وادي روشميا؛ بعيد عن بيتنا؛ قالوا لي الأهل: ما فيه مدرسة! كنت الأولى، ومرشّحة أروح للقدس مجّانا على دار المعلمات، أجت المديرة والمعلمات للبيت يِترَجّوا؛ الأهل قالوا: بِنتنا ما بنِبعَتها. قعدت في البيت حزينة، لكن؛ كنت أثَقّف حالي دائما.
كان بيتنا مقرّ للثوار؛ يِجوا بالليل عنّا، يِتخَبّوا، يغَيّروا أسلحتهم، يغَيّروا ملابسهم، يناموا إذا لزم النوم. لما نحِسّ إنُّه في تفتيش؛ انّيّمهم بفراشنا، حَدا ينام جَنبهُم يكَوّع من النساء مؤقتاً؛ مِنشان يقولوا إن هَدول رجالهم. طبعاً إخوِة.
كنا نحارب الجهتين؛ الإنجليز واليهود. بيتنا كان مأوى للسيدات، عمي باعتبارُه نجار يجيب بكميات المسامير والبراغي، كل سِتّ تيجي تستلم ما عليها من واجب، ويروحوا يرشقوا المسامير، ما بيِعرفوا مين بيرشق المسامير! ما تمرُق الدبابات إلاّ بتنفس.
كل الجيران راحوا من عندنا، ما عاد في مجال نسكن لوحدنا، نزِلنا لَبيت خالتي بِحَيّ وادي الصليب. لقيناهم محَضّرين حالهُم بِدهُم يروحوا على صيدا، والعمل؟ قالوا: إنتوا النسوان بتِنزِلوا لَعكا.
يوم 15 أيار؛ ما شفنا إلاّ الإنجليز سلّمتنا لليهود. حضّروا زحافات بالبحر ولانشات حتى تنقل الناس، إطلَعوا، أهرُبوا. هالناس صارت تركب هالزحافات، إحنا بِدنا أهلنا ييجوا، كيف؟ الرجال كلها بحيفا. النسوان كلها بعكا.
بالليل بدأ الهجوم على عكا، قرّرنا إنه لما يطلع النهار، نسافر على لبنان. الصبح أخدنا سيارة، وإطلعنا على أساس 15 يوم، وطالت المدة.
في حيفا كان المسؤول عن القسم اللي بيطلّ على وادي روشميا؛ بطل إسمُه "سرور". ابن "البرد" من حيفا إجا مع جماعته على الشام، عشان يجيبلُه أسلحة، جابوا سيارة مليانة، وصلوا على عكا. أجا خبر لليهود إنه رح تمُرّ سيارة مملوءة بالقادة العرب وبالأسلحة. كانوا هدول محوّطين بهدول القريتين. خلّوا الطريق الأول مفتوح، وعملوا سدّ. وكانت معهم بالسيارة "أم محمود السنيور"، مع بنتها - بطلة، كان إلها دور دفاعي فظيع بحيفا، هي وزوجها وأولادها، تدَوِّر على الثوّار، تطلع ع الجبال؛ تودّي أكل للثوار - لمّا وصلوا؛ أخذت بنتها ونطت من السيارة، وحَطّت بنتها على ظهرها، وحَبَت على إيديها ورجليها على خط القطار، واجت على عكا. نادت: إلحقوا، شبابنا ضاعوا. ركضوا الناس، ما فيه! سكّروا الطريق، عملوا لهم مصيدة.
لما لاقوا ما حدا يقدر يدخل؛ دخلوا بالسيارة على نُصّ المستعمرة، وفجّروا كل الأسلحة، روّحوا تقريبا مِيتين (200) شخص. كانوا زهرة شباب حيفا.
أم محمود؛ رجعت، أجت ع الشام جابت أولادها، وبَرضُه بالشام كانت مع الفدائيين.
جينا لَغزِّة، قعدنا فيها فترة، بعدين جينا على الشام؛ كان بأيدي ذهب؛ بِعتُه وإشتريت ماكينة، وخيّطت عليها، اضطريت، عمري ما خَيّطِت. اللي باشتغل فيه ليل نهار، نجيب فيه كسوة لَلعيلة وأكل.
إجت لي على البيت "طلعت الغصين" - إنسانة وطنية من القدس، أسَّست رابطة السيدات الفلسطينيات - وقالت: كنتِ الأولى بِصَفّك، بِدنا نفتح مدرسة، وبِندَوِّر على معلمات يدَرّسوا؛ إذا جمعنا الطلاب والطالبات الفلسطينيات. قلت: على عيني، كمان ما فيه راتب، قلت: مش مهم. درنا على المخيمات؛ لَمّينا الصبيان والبنات. الصبيان تكفّلوهم مجموعة من الأساتذة، وإحنا البنات متكفّلين فيهم، إعملنا خمس صفوف.
كل ما يِجي تبرع للجمعية نشتري شويّة حطب. نلملم، نحُطّ، عملنا المستحيل. فتحت وكالة الإغاثة، ماكانش الأونروا، فتحت مدرسة بدُّمّر تابعة للصليب الأحمر. صاروا يتبرّعوا لنا.
ولما زاد شوية التبرع للمدرسة؛ أعطونا راتب. أخدنا 30 ليرة سوري على شهرين، وبعدين قطعوا.
قرّرت أكَمِّل تعليمي، رحت على مدرسة، ونجحت. بدأت الأنشطة في المدرسة، كل البنات فلسطينيات. بقينا محايدين عن الأحزاب. أما بالنسبة للفدائيين؛ إحنا فدائيين. كنا نعمل كل شهر نشاط فلسطيني؛ أغاني، دبكات، رقصات، تمثيليات.
لما وَدّعوني، قالوا: مش معقول بِدِّك تطلعي! قلت: خَلّي الشباب يِستلموا مَحَلّي. قالوا: مفيش شباب ويكونوا هيك مثلك!".
[email protected]
أضف تعليق