وأخيراً رجع سليمان المصاب بفيروس كورونا، مع أنه رجع مرغماً ومخفوراً من الشرطة الإسرائيلية التي قبضت عليه في مدينة رهط بمنطقة بئر السبع، وتسلمته الأجهزة الأمنية الفلسطينية ونقلته إلى الحجر الصحي، وبعده إلى السجن لأنه موقوف على ذمة قضايا.
الشاب سليمان المخامرة، من بلدة يطا، جنوب الخليل، تعبير حي عن زمن "كورونا" حيث "السجون" المنزلية بدأت تضيق على سكانها، ولم يجد المواطنون، كل على طريقته، سوى ما يسمى في لغتنا العامية "التنفيس" أو "فشة الغل" بمعنى التفريغ النفسي.
وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت الفضاء الافتراضي الواسع للتفريغ النفسي، ولهذا نجد هذا الكم من المتابعات أو التعليقات التي تظهر على شاكلة الكوميديا السوداء. جميع التعليقات على "فيسبوك" بشكل أساس ثم "واتس آب" تحمل عناصر السخرية أكثر من الجديّة. حتى المصطلحات المستخدمة، مثل: «ساق الله عليك» و«دخيل عرضك» «ومن شان الله» و«يستر على ولياك» .. وغيرها الكثير، تؤكد أن الناس أصبحت تعاني بشكل واضح من الضغوط النفسية، إضافة إلى الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.
موظفة في إحدى الجامعات نشرت على صفحتها نداءً إلى رئيس الوزراء جاء فيه "نداء إلى رئيس الوزراء .. الله يخليك، بكفي حجر عشان إذا الناس ما راحت على المستشفى عشان كورونا راح يروحوا مطبشين، الناس اتدبحت من القعدة بالبيت راح يقتلوا بعض".
إذن، ماذا نحن فاعلون أمام هذا الضغط المتراكم الذي لا يوجد أفق واضح لنهايته؟ بل إن الضوء الذي تحدث عنه الرئيس الأميركي الشعبوي دونالد ترامب في آخر نفق "كورونا"، لم ولن يظهر، بعد أن تبين أن النفق يؤدي إلى أنفاق أخرى كحفر الخلد .. ودليل ذلك البيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية التي تقول إنه لا نهاية في الأفق لانتشار الوباء، بل على العكس تحذر من أننا لم نصل إلى الذروة، خاصة في الدول الأوروبية، وحتى الولايات المتحدة الأميركية.
إجراءات الحكومة سواء بالإغلاق شبه الكامل أو تحديد حركة المواطنين أو الإغلاق الواسع للاقتصاد نالت قبول ورضا المواطنين، وكان هناك إجماع على تأييد إجراءات الحكومة، لكن المشكلة أننا بعكس دول العالم لا يوجد لدينا حلول لكثير من المشاكل.. المشكلة الوحيدة التي ركزت عليها الحكومة أكثر من مرة هي التعهد بدفع رواتب القطاع العام ودعم قطاع الصحة والأمن، وهذا جيد، ولكن ماذا عن باقي القطاعات التي بدأت تنهار شيئاً فشيئاً.. أين الحلول؟ أين الرؤية الواضحة والثاقبة تجاه القطاع الخاص مثلاً؟.
كل دول العالم خصصت جزءاً من مواردها لهذا القطاع، حتى الدول الأكثر ضعفاً أو مديونية في العالم.. الإجراءات الفلسطينية ما زالت قاصرة عن مواجهة احتياجات هذا القطاع. ماذا عن عشرات آلاف العمال المتعطلين؟ وماذا عن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المتوقفة؟ إلى متى سيبقى الوضع على ما هو عليه.
قد يكون هناك تصور بأن الوضع لن يستمر طويلاً؟!! حتى مصطلح طويل أو قصير أصبح غير مفهوم .. ماذا لو استمر الوضع القائم أربعة أشهر أخرى أو أكثر؟ وماذا لو تواصلت الإصابات بمعدل يتراوح بين صفر - ١٥ إصابة يومياً، هل سيبقى الوضع على ما هو عليه أم إن هناك رؤية للعلاج؟
الحكومة تؤكد رفضها أنصاف الحلول أو فرضية التوازن بين الاقتصاد وحركة المواطنين وإجراءات الطوارئ، لأن الأرواح أهم من كل شيء.
نعم الأرواح أهم.. لكن كثيراً من هذه الأرواح وصلت حد التمرد على نفسها، من خلال الهرب حتى داخل المنزل، نحن لا نريد أيضاً الشفاء من "كورونا" لنصاب بأمراض ليست أقل خطورة، ولعل أمراض الفقر والإفلاس ستكون أشد كارثية .. وعدم رؤية كثير من المشاكل تحت غطاء ثلج "كورونا" لا يعني بالمطلق أن اليوم الذي سنكتشف فيه ذوبان الثلج ليس قريباً.
إجراءات الحكومة، أمس، بصرف النظر عن رضا الناس عنها، خطوة أولى إيجابية في طريق طويلة وشاقة، حتى تعليقات الناس على فتح محلات "دراي كلين" التي فاقت وسم "ارجع يا سليمان" وتساؤلهم عن عدد الفلسطينيين الذين يستخدمون "دراي كلين" كل هذا قد يغتفر على أساس أن الحكومة بدأت باتخاذ إجراءات كلنا أمل أن تتطور ولو بوتيرة بطيئة.
شارفت الإصابات في دولة الاحتلال على ١٣ ألف إصابة، وعدد الوفيات وصل إلى ١٥٠ حالة وفاة حتى أمس، ومع ذلك حكومة الاحتلال بدأت التفكير بفتح الاقتصاد تدريجياً .. إسبانيا وألمانيا وحتى إيطاليا دول عانت كثيراً وبصورة خيالية سواء من عدد الإصابات أو الوفيات ولكنها بدأت العمل على إعادة فتح الاقتصاد.
الأردن الدولة الشقيقة بدأت إجراءات فتح الاقتصاد ولو بشكل بطيء.
نحن أيضاً يجب علينا التفكير جدياً، وللمرة الثانية نؤكد على ضرورة إيجاد نوع من التوازن بين فتح الاقتصاد وإجراءات الطوارئ، لا بد من تفكير خلاق ومبدع، الإصابات لن تتوقف.. وربما عندنا كما في العالم كثير من الإصابات التي لم تظهر عليها الأعراض أو ظهرت عليها الأعراض البسيطة وشفيت دون أن يعلم بها أحد.
لو أن هناك معلومات محددة لاختفاء الوباء، في شهر أو شهرين أو سنة، لكان من الممكن التأكيد على استمرار إغلاق الاقتصاد، ولكن لا تظهر أي نهاية أو ضوء في نفق الوباء.. لهذا وجب على الحكومة التخطيط لثلاثة أشهر قادمة وليس لثلاثة أيام مثلاً.
«سليمان رجع» مخفوراً، مع تمنياتنا لجميع المصابين بالشفاء .. وللمجتمع الفلسطيني بالشفاء من كل الأمراض النفسية والمالية والاجتماعية التي سببها هذا الفيروس غير المرئي والمجهول المصدر!!.
[email protected]
أضف تعليق