مع ظهور وتفشي جائحة الكورونا ،فيروس كورونا المستجد في العالم قامت معظم الدول بتطبيق العديد من الإجراءات في محاولة للحد من انتشار الوباء، مع تفاوت فيما بينها بكل ما يتعلق في نوعية تلك الإجراءات وحدَّتِها وتوقيت البدء بتطبيقها.

إسرائيل دفعت ثمنا ببسبب أمريكا

وعن تأخر إسرائيل في محاربة وباء الكورونا قال د. محمود كيال وهو طبيب، محاضر ومبادر في مجال تكنولوجيا الصحة قال في حديثه لموقع بكرا لا شك انه كان هنالك تأخير في الصحوة من اجل معالجة وباء الكورونا في فرض العزل عن باقي الدول، واظن بان إسرائيل تأخرت بذلك، وربما لاعتبارات سياسية في عدم عزل الذين قدموا من أمريكا مبكرا، نسبيا يعد وضع إسرائيل من بين الدول الأخرى جيد حيث نسبة الوفيات من بين عدد الإصابات هي 0.06% بينما في إيطاليا وصلت النسبة الى 15% ، لذلك الخطأ الذي دفعت ثمنه إسرائيل هو الـتأخر في التعامل مع القادمين من أمريكا، حيث لم يتم عزلهم، كما فعلت مع القادمين من دول أخرى".

الاستراتيجيات وتفاصيلها،

وعن الاستراتيجيات وتفاصيلها قال د. كيال:" قبل الخوض في هذه الاستراتيجيات وتفاصيلها، ولكي نساعد في تأطير هذا الحديث في إطار عملي، أرى من المهم التوضيح بأن جميع الأفكار والخطط والاستراتيجيات للتعامل مع أزمة الكورونا تدور في النهاية حول تحقيق هدفين:

1. كسب الوقت لمنع ضغط كبير على المستشفيات والجهاز الصحي وذلك بمنع الأرقام الكبيرة من الإصابات كما رأينا في عدة مناطق من العالم مثل إيطاليا وإسبانيا ونيويورك.

2. دفع أقل ثمن ممكن (سواء بالأرواح أو اقتصاديا) حتى يتم العثور على لقاح فعال أو دواء ناجع والتقديرات المحتملة لحدوث ذلك هي خلال 12 حتى 18 شهرا، عندها سيحدث ما يتم تسميته بمناعة القطيع (herd immunity) والتي ستؤدي لوقف نهائي لهذه العدوى. طبعا هناك سيناريو آخر للوصول إلى مناعة القطيع وهي إصابة غالبية الناس بهذه العدوى وإعطاء الجسم الفرصة لتطوير هذه المناعة- ولكن في حالة فيروس كورونا المستجد COVID-19 هذا السيناريو بعيد لعدة اسباب منها انه لا دليل على عدم الإصابة المتكررة (re-infection) وأن عواقب الإصابة ممكن أن تكون وخيمة جدا حتى الموت خصوصا لفئة كبار السن والمرضى وأن هذا السيناريو معناه انهاك الجهاز الصحي والمستشفيات بأعداد هائلة من المرضى يفوق قدرتها على استيعابه.

بقى أن نذكر بأنه طوال هذه الأزمة فأن متخذي القرار في كل مكان يحاولون دائما الموازنة بين عاملين أساسيين وهما الثمن الإجتماعي وما يترتب عليه من الخسائر بالأرواح من جهة والخسارة الاقتصادية من جهة أخرى. وأن أي قرار بفرض قيود أو رفعها يأخذ بالحسبان تأثير تلك القرارات على هذين العاملين.

استراتيجيات إدارة الأزمة:

وأضاف:" والآن وبعد مضي قرابة الـ 100 يوم على إعلان ظهور أول حالة واستمرار تدفق المعطيات حول التجارب المختلفة، بات من الممكن البدء ببناء تصورات واستراتيجيات العمل الممكنة من أجل العودة التدريجية للحياة الطبيعية. هذه التصورات مبنية، بشكل كبير، على تجارب الدول، وخصوصا دول شرق آسيا التي خاضت المعركة ضد انتشار الفيروس مبكرا، و نجحوا بالسيطرة على تفشي الجائحة بأضرار قليلة نسبيا. هذه الدول (مثل كوريا الجنوبية، سنغافورة وهونغ كونغ)، بدأت مؤخرا بتخفيف القيود التي فرضتها منذ الأيام الأولى للأزمة وشملت حظر التجول، إغلاق المطارات وأماكن العمل والمتاجر وغيرها من التقييدات على الحركة والتجمهر.

السؤال الذي سأحاول الإجابة عليه هو: ما هي الظروف التي يجب أن تتوفر للدول حتى تكون قادرة على وضع خطة استراتيجية للخروج، ولو بشكل تدريجي، من الأزمة؟ وللإجابة على هذا السؤال سأقوم بجرد سريع لأهم الاستراتيجيات التي تمت دراستها علميا و الأبحاث في هذا المضمار.

تتلخص استراتيجيات تعامل الدول مع جائحة الكورونا في نوعين من التوجهات رئيسية:

1. التخفيف (mitigation) والوصول إلى ما يسمى بمناعة القطيع وذلك بواسطة إجراءات مخففة للحد من تفشي الفيروس وتركه ليصيب السكان الذين سيطورون مناعة لهذا الفيروس بعد إصابتهم. وهو ما حاولت بريطانيا اتباعه في بداية الأزمة ولكن سرعان ما تراجعت عنه بعد صدور تقارير مختلفة تنذر باعداد هائلة من الوفيات وانهيار المنظومة الصحية في الدولة.

2. الكبح (suppression) وهو ما يتم اتباعه اليوم بغالبية دول العالم ويقضي بفرض إجراءات مشددة للعزل والوقاية تتمثل بالحجر المنزلي، منع التجول، التباعد الاجتماعي ومنع التجمهر، التعقيم المستمر واستعمال الكمامات ووسائل الوقاية الأخرى. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى “تسطيح المنحنى- flatten the curve” وبالتالي تخفيف الضغط على الجهاز الصحي وخصوصا غرف العناية المكثفة وإعطاء الفرصة للدول والمنظومات الصحية بالاستعداد المستمر لعلاج توافد المرضى بدون أن يؤدي ذلك لانهيار هذه المنظومة.

بقي أن نذكر بأن هناك “استراتيجية” أخرى قد يتبعها البعض وهي ببساطة عدم القيام بأي إجراء بادعاء أن الثمن الاقتصادي لإجراءات الوقاية أكبر بكثير من الخسارة المتوقعة بالأرواح. ولكن لن نتطرق اليها لان الدراسات أثبتت خطأ هذا التوجه اقتصاديا، علاوة على الجرم الأخلاقي المنوط به.

تهيئة الظروف:

واردف الطبيب المختص في مجال التكنولوجيا والصحة :" يعتمد اختيار كل دولة للإجراءات وتوقيت فرضها على العديد من العوامل مثل جاهزية المنظومة الصحية، قدرتها على تطبيق الإجراءات، وعي الجمهور ومدى انضباطه، مدى تفشي الفيروس، أو معايير اقتصادية واجتماعية أخرى. وتهدف جميع هذه الإجراءات بالدرجة الأولى إلى تحقيق التباعد الاجتماعي، عزل المصابين أو المصابين المحتملين، إحكام الرقابة علي الوافدين للدولة وتوسيع دائرة الفحوصات للكشف المبكر وحصر دائرة المصابين وأخيرا توفير الموارد لمحاربة تفشي الوباء وتوظيف الحلول التكنولوجية لتسيير الأمور الحياتية اليومية قدر الإمكان. جميع هذه الإجراءات هدفها توفير الظروف المناسبة لوضع خطط الخروج من الأزمة. فما هي هذه الظروف التي نحتاجها لخلق البيئة الملائمة للانفراج:

● عدد التكاثر الأساسي (R0) وهو عدد الأشخاص الذي ينقل كل مصاب العدوى إليهم، وفي حالة فيروس الكورونا المستجد- هذا العدد اعلى من 2، وتهدف بالدرجة الأولى، جميع الإجراءات أعلاه إلى خفض هذا الرقم الى ما دون 1 لأن لذلك تأثير كبير على حجم الموجة الثانية من تفشي العدوى.

● القدرة على رصد تطورات وضع الإصابات في الدولة بشكل تفصيلي وفوري مما يعطي للسلطات الفرصة للتدخل بسرعة من إجل إنقاذ الأرواح. العامل الرئيس لتحقيق هذا هو نشر شبكة من محطات الفحص كفيلة بتغطية كافة مناطق الدولة، ودمج الحلول التكنولوجية التي تسهل من عملية الاكتشاف المبكر.

● كبح الازدياد المتسارع (exponential) في عدد الإصابات اليومي وهذا يعني أن عدد الإصابات المؤكدة في كل يوم تكون أقل من اليوم السابق. تحقيق هذا الشرط مع وجود عدد كاف من غرف العلاج المكثف تعطي للجهاز الصحي مساحة آمنة (حوالي اسبوعين) للاستعداد في حال حصل تفشي جديد للعدوى.

● بعض الباحثين يشدد على ضرورة وجود استراتيجية عالمية للخروج من الأزمة ويصرحون بأنه لا فائدة من وجود استراتيجية محلية بدون أن يكون تنسيق مع باقي الدول لأن هذا سيؤدي إلى موجات أخرى من العدوى. هذه المجموعة من الباحثين تقترح حجر عام وشامل ومتزامن في جميع دول العالم ولمدة أسبوعين، تليها خطوات تقييد أخرى على السفر والتنقل بين الدول. إضافة لذلك فهناك أهمية كبرى لضرورة التعاون بين الدول المختلفة في مجهود موحد، علمي ومادي من أجل دعم جهود

السيطرة على الوباء في كل مكان وتمويل الأبحاث ومشاركة المعلومات.

دروس واستنتاجات من تجارب الدول:

واسهب الطبيب والمحاضر:" ل تشكل دول شرق آسيا مثل كوريا الجنوبية، سنغافورة وهونغ كونغ، مثالا ممتازا لتجارب ناجحة في السيطرة على جائحة الكورونا وبدء العودة للحياة الطبيعية. فما هي اهم الدروس التي يمكن تعلمها من هذه التجارب:

1. الدرس الأهم الذي نتعلمه من تجارب تلك الدول هو أن العودة للحياة الطبيعية يجب أن يكون تدريجيا بحيث يتم تقييم الأثر الناتج عن كل تخفيف لأي قيد يتم رفعه وملائمة الظروف كما تقتضيه الحاجة من أجل استمرار السيطرة على مجريات الوضع. ويكون ترتيب القيود التي يتم رفعها وفقا للمبدأ القاضي بأن ما تم فرضه في النهاية يتم رفعه في البداية (LIFO- Last In first Out).

 بالرغم مما ورد في البند الأول أعلاه، فإن رفع القيود عن السفر للخارج يأتي في المرحلة الأخيرة، حيث أن التجارب تظهر بوضوح أن جميع حالات تفشي العدوى من جديد كان مصدرها مسافرين دخلوا من خارج البلاد ولذلك يستلزم إدخال جميع المسافرين إلي حجر صحي فور دخولهم البلاد بل ويجب أن يستمر ذلك لفترة ما حتى بعد العودة للحياة الطبيعية.

3. سياسة العزل للمصابين، لمن كان بالاتصال معهم أو حتى المشتبه بإصابتهم. فقد أكدت جميع الدول على أهمية العزل الصحي لمدة 14 يوما بمجرد أن تظهر عليه الأعراض (حرارة مرتفعة، سعال،…). بل وفي كوريا الجنوبية يستمرون بالعزل حتى لو تبين بالفحص أن الشخص لا يحمل عدوى الكورونا!!.

4. يجب تبني عادات وسلوكيات جديدة في الحيز العام وبالأخص في الفترة الأولى بعد رفع الإجراءات الاحترازية، مثل ضرورة فحص درجة الحرارة عند دخول أماكن العمل والمتاجر وتحديد عدد المتواجدين داخل الغرف والمواظبة على قواعد النظافة والتعقيم.

5. يتبين أيضا بأن هناك أهمية لقدرة السلطات على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وبحزم، ضد المخالفين للتعليمات والقوانين.

6. القدرة على إجراء الفحوصات لاكتشاف الإصابات على نطاق واسع داخل الدولة. ومن الواضح بانه هناك أهمية قصوى للاستمرار بإجراء هذه الفحوصات خلال فترة رفع القيود والعودة التدريجية للحياة الطبيعية.

7. الاعتماد على مناعة القطيع مع عدم وجود لقاح للعدوى أو علاج فعال وآمن هو خيار غير عملي ويمكن أن يؤدي لكارثة طبية واجتماعية واقتصادية.

8. حتى تتوفر الظروف المواتية للبدء برفع القيود والعودة التدريجية للحياة الطبيعية فلا بديل عن الالتزام بتعليمات الوقاية من تباعد اجتماعي، استمرار التعقيم، سياسة الحجر للمصابين ومن تعرض لهم وتكثيف إجراء الفحوصات

لا شك بأن هذه الفترة العصيبة التي تمر على البشرية جمعاء هي امتحان للعديد من سلوكياتنا كأفراد ومجتمع وأن قدرتنا على الالتفاف حول الخيارات الصحيحة هي ما ستقرر فترة هذه المحنة ونتائجها.

ومن المهم أيضا أن نعي بأن هذه الفترة، مهما طالت أو قصرت، فأنها مؤقتة وسنعود، بإذن الله، لحياتنا الطبيعية بعدها. وأن هناك فرق كاملة من الباحثين والعلماء تعمل على إيجاد اللقاح (وساقوم في مقالي التالي بسرد أهم وآخر التطورات في هذا المضمار).

إذا، يجب علينا أن نهتم بما نقوم به خلال هذه الفترة وألا نهمل أي جانب مهم من جوانب حياتنا. اجتماعيا يجب علينا الاستمرار بتقوية العلاقات والعناية بها ولكن عن بعد، بواسطة وسائل الاتصال المختلفة المتاحة. واقتصاديا، يجب التصرف بحكمة والتركيز على قدرتنا على عبور هذه الفترة بأقل الخسائر والحفاظ على مصادر قوتنا لتعويض أي خسارة حصلت. وأخيرا، لا ننسى بأن نستمر بالحفاظ على صحتنا، وهنا أعني الجوانب الأخرى، التي لا تتعلق بالكورونا بشكل مباشر، التغذية الصحية وعدم الإفراط بحجة الحجر، ممارسة أي نوع متاح من الرياضة، وهي أيضا فرصة للتوقف عن التدخين وخصوصا

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]