في ظل تقاعس سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن توفير أدوات التعقيم والوقاية لوباء الكورونا لأسرانا في سجونه، بعد رفض هذه السلطات كافة الدعوات الإقليمية والدولية لإطلاق سراحهم، باتت سجون الاحتلال بيئة نشطة لانتشار هذا الوباء خاصة وأن هناك العديد من أسرانا من كبار السن بعد أن مضى عدة عقود على أسرهم، وغالبيتهم مصابون بأمراض مزمنة كالسرطان وضغط الدم وأمراض القلب، ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة، وإذا ما أضفنا إلى ذلك إصابة أحد أطباء سجن عسقلان وثلاثة حراس بالوباء فإن احتمالات انتقال هذا الوباء باتت تشكّل خطورة محدقة على كافة أسرانا في السجون الإسرائيلية، بالنظر إلى اكتظاظ هذه السجون ما يوفّر فرصة كبيرة كي تصبح بؤرة وبائيّة للفيروس الفتّاك.
هذا الواقع، أدّى في الأسابيع الأخيرة إلى بروز قضية الأسرى من جديد لتحتل اهتمامات القيادات السياسيّة والشعبيّة ومنظمات المجتمع المدني إضافة إلى أهاليهم وعائلاتهم أي كل المجتمع الفلسطيني وذلك من خلال التوجّه إلى كافة الجهات الحقوقية والدولية من أجل الضغط على سلطات الاحتلال لاتخاذ خطوات جادة لإطلاق سراحهم كما فعلت معظم دول العالم، أو على الأقل إطلاق سراح كبار السن والمصابين بأمراضٍ خطيرة والنساء والأطفال مع توفير كل مستلزمات التعقيم والوقاية للأسرى الذين لن تشملهم عملية الإفراج.
وإزاء هذه الدعوات والمطالبات تناولت وسائل الإعلام الإسرائيليّة هذه المسألة وأبرزتها، رغم طغيان قضية «الكورونا» وذلك في محاولة لاستغلالها لعقد صفقة يتم بموجبها الضغط على الجانب الفلسطيني لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس في قطاع غزة، وادّعت هذه الوسائل أن هناك «نافذة فرص» لاستغلال وباء الكورونا لهذا الغرض من خلال اشتراط منح أي مساعدات إنسانية أو مرورها إلى قطاع غزة للحد من انتشار الوباء مقابل تقدّم ملموس في موضوع الأسرى الإسرائيليين، وانطلقت وسائل الإعلام الإسرائيلية للحديث عن هذه الصفقة إثر تصريح وزير الحرب الاسرائيلي نفتالي بينيت والذي أشار فيه إلى أنّ النقاش حول المجال الإنساني في غزّة يجب أن ينطلق من احتياجات انسانيّة اسرائيليّة، تتمثّل أساساً في استعادة من سقط في الحرب - حزب زعمه- بحسب المحلل العسكري لصحيفة معاريف تال ليف رام فإنّ هناك مناقشات جادة ذات أهمية بالغة من كبار المسؤولين الإسرائيليين بشأن هذه الفكرة - الصفقة-.
وليس ببعيد عن كل هذه الأحاديث وبشكلٍ ملفت، قيام إدارة السجون الإسرائيلية بدعوة الأسرى المفروض عليهم غرامات مالية واقتراب موعد الافراج عنهم بدفع هذه الغرامات بشكلٍ عاجل للإفراج عنهم، وفي هذه الحال بإمكان إسرائيل الادّعاء أنها قامت بالإفراج عن أسرى تلبية واستجابة للمؤسسات الحقوقيّة والدوليّة بهذا الشأن، مع أنها في الواقع تكون قد أفرجت عن أسرى انتهت أو أوشكت محكومياتهم على الانتهاء، وذلك تهرباً من مسؤولياتها الحقوقية والإنسانية تجاه أسرانا في سجون الاحتلال.
في ضوء هذا الأمر، نعتقد أن تزامن حديث الأخ يحيى السنوار رئيس حركة حماس في غزة عبر وسائل الاعلام الفلسطينيّة حول هذا الملف لم يكن صدفة، بقدر ما كان رداً مدروساً بدقة على المحاولات الإسرائيلية للتهرّب من مسؤولية الاحتلال إزاء هذا الملف، واستباقاً لأي ادّعاء إسرائيلي بهذا الشكل، وذلك عندما عرض السنوار تقديم تنازلات «جزئية» حرص على عدم الكشف عنها في سياق سياسة «الغموض البناء» وذلك مقابل افراج الاحتلال عن الأسرى المرضى وكبار السن والأطفال والنساء وليس فقط من قاربت محكومياتهم على الانتهاء، وفقاً للاحتيال الإسرائيلي بهذا الشأن، بالإضافة إلى الطلب من سلطات الاحتلال توفير كل أدوات الوقايّة والتعقيم لحماية أسرانا من خطر تفشي «الكورونا» في سجون الاحتلال.
ومن المتوقّع أن تحدث هذه المبادرة حراكاً تفاعلياً وردوداً مختلفة من قبل القيادات ووسائل الإعلام الإسرائيلية إضافة إلى عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس، ما قد يشكّل اختراقاً على ملف الأسرى بشكلٍ عام لإتمام صفقة تبادل شاملة، مع إدراكنا أن دولة الاحتلال ليست جاهزة لدفع استحقاقات هذه الصفقة في ظل الأوضاع الحزبيّة والسياسيّة الراهنة، إلاّ أنّ هذه المبادرة من ناحية ثانية ستشكّل ضغطاً على دولة الاحتلال من الصعب عدم الاستجابة له لما يوفر ظروفاً أفضل لإطلاق سراح الأسرى من كبار السن والمرضى والأطفال والنساء، وتفويت الفرصة على تحايل الاحتلال في حال وقف الإفراج على الأسرى الذين تقترب انتهاء أحكامهم، ما يجعل هذه المبادرة استباقاً مدروساً للتحايل الإسرائيلي المحتمل.
[email protected]
أضف تعليق