سيؤدّي تفشّي فيروس كورونا في قطاع غزّة إلى كارثة بحجم مروّع جلّها ككلّها نتاج الظروف الكارثيّة أصلاً في قطاع غزّة نتيجة للحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ أكثر من عشر سنوات. لنا أن نتصوّر حجم الكارثة المرعبة التي ستلمّ بقطاع غزة على خلفيّة الجمع بين الاكتظاظ السكّاني ونتائج الحصار ومن بينها انهيار جهاز الصحة والفقر المُدقع والاعتماد على الإغاثة الإنسانيّة وانهيار البُنى التحتيّة وظروف الحياة الصعبة التي تؤثر على الوضع الصحّي لسكّان القطاع حتى دون تعرّضهم لفيروس كورونا المستجدّ.


وردت صباح أمس تقارير تفيد بأنّ اثنين من سكّان قطاع غزّة أصيبا بفيروس كورونا. وقد ذكرت وسائل الإعلام أنّ الاثنين عادا من باكستان وأخضعا للحجْر الصحّي لحظة عودتهما إلى القطاع ويرقد كلاهما الآن في مستشفىً ميدانيّ في رفح أقامته السلطات في غزّة.

لا توجد اليوم دولة في العالم إلّا وينتابها القلق خشية عجز جهازها الصحّي- أو حتى انهياره لا سمح الله - في مواجهة آلاف أو عشرات آلاف المصابين بعدوى الوباء ولا حتّى إسرائيل أو الدول الأخرى التي تملك جهاز صحّة حديث ومتطور. ولكنّ جهاز الصحّة في قطاع غزّة منهار أصلاً حتى قبل وجود مريض الكورونا الأوّل وهو اليوم أبعد ما يكون عن تلبية احتياجات السكّان في ظلّ النقص في الأدوية والتجهيزات والمعدّات الطبيّة والاستكمالات المهنيّة. أمّا عن تلبية هذه الاحتياجات خارج القطاع فحتّى في الأيّام العاديّة لا تسمح إسرائيل سوى بخروج جزء ضئيل جدّاً من المحتاجين لتلقّي العلاج - في الضفة الغربيّة بما فيها القدس الشرقيّة أو داخل إسرائيل أو في دول أخرى. وفي الوضع الحاليّ حتّى هذه الحالات النادرة لن تحظى بذلك.

منذ تنفيذ خطّة "فك الارتباط" في عام 2005 اتّبعت إسرائيل سياسة التنصّل من المسؤوليّة عن قطاع غزّة وتتعامل مع ما يحدث هناك وكأنّه يحدث في دولة أجنبيّة. لكنّ إسرائيل تتحمّل المسؤوليّة الكاملة عن هذا الواقع: بعد احتلال دام عشرات السّنين امتنعت خلالها عن تخصيص أيّة ميزانيّات للقطاع وبعد حصار تفرضه منذ 12 عاماً جعلت خلالها القطاع أكبر سجن مفتوح في العالم. إنّ غزّة اليوم في ذروة كارثة إنسانيّة - كلّها من إنتاج إسرائيل.

تحكم هذه السّياسة على سكّان القطاع - ما يقارب مليوني إنسان - العيش في فقر مدقع وعوَز: الاقتصاد انهار منذ زمن طويل والسكّان محبوسون داخل سوق عمل صغير ومحدود ممّا أنتج بطالة وصلت أكثر من 70% في أوساط الشباب وجعل نحو 80% من السكّان معتمدين على مخصّصات الغوث الإنسانيّ. كذلك انهارت البُنى التحتيّة: المياه التي يتمّ استخراجها في قطاع غزّة تكاد تكون كلّها غير صالحة للشرب والكهرباء تزوّد فقط لبضع ساعات كلّ يوم ممّا يمسّ بأداء شبكتي المياه والصرف الصحّي.

الذي أنتج هذا الواقع هو المسؤول أيضاً عن صحّة المليوني إنسان الذين يعيشون في قطاع غزّة. لا يمكن لإسرائيل أن تنفض يديها إزاء تحقّق سيناريو الرّعب الذي أنتجته ولم تحاول أبداً منعه.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]