3-3-2020
لا يخفى على أحد خطورة المرحلة الحالية على القضية الوطنية الفلسطينية، في ظل غياب استراتيجية وطنية فلسطينية، وغياب فعل عربي وإسلامي داعم للحقوق الفلسطينية، وموقف أوروبي مانع، ودعم أمريكي لا محدود لدولة الاحتلال، وغياب تام لدور فعلي للأمم المتحدة في موضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
الواقع الحالي يُنذر بما هو أسوء، والمتتبع للشأن الفلسطيني الداخلي يدرك، بما لا يدع مجالا للشك، أن حالة الفوضى والتشرذم والأنانية وغياب الفعل الجماعي وضعف الاحزاب والحركات وتغول رأس المال، بالإضافة إلى الدور الذي تقوم به دولة الاحتلال في تغذية الخلافات الداخلية وتقسيم الشعب الفلسطيني على أساس مناطقي، ومحاولاتها لخلق قيادات محلية تُسهل عليها لاحقا السيطرة على المعازل السكانية المُقرة ضمن صفقة القرن التي هي استكمالا لوعد بلفور وتجسيدا للدولة اليهودية من النيل إلى الفرات، أضف إلى ذلك تعاطي بعض الأنظمة العربية مع تطلعات "دولة الاحتلال"، كل ذلك يُحتم علينا أن نعيد حساباتنا الداخلية وتحالفاتنا الخارجية على أساس حقوق الشعب الفلسطيني في العودة والحرية والاستقلال.
نستطيع كفلسطينيين أن نطلب من العالم بالوقوف إلى جانبنا فقط بعد أن نتمكن من ترتيب وضعنا الداخلي، وهذا الأمر معلوم لدى الجميع بأن الخطوة الاولى والأهم هي إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات، والاتفاق على برنامج وطني نقدمه إلى الشعب الفلسطيني أولا ومن ثم إلى العالم.
المطلوب الآن أن يبادر الأخ إسماعيل هنية بصفته الرجل الأول في حركة حماس، وهي القوة الفعلية التي تحكم قطاع غزة، بدعوة الوفد الذي تم تشكيله من فصائل منظمة التحرير وشخصيات مستقلة للقدوم إلى قطاع غزة والمباشرة الفعلية بوضع خارطة طريق توصلنا إلى إنهاء الانقسام، أساسها تشكيل حكومة وحدة وطنية مهمتها الرئيسية الاعداد لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، من أجل تجديد الشرعيات، وبالتوازي مع ذلك العمل على إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وهناك من الاتفاقيات والتفاهمات الداخلية ما يكفي ويزيد لإنجاز هذه المهمة باعتبارها أساسا لالتفاف الفلسطينيين حول برنامج وطني شامل وقادر على إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، ومواجهة صفقة القرن التصفوية.
إن إنهاء الانقسام، وترتيب أوضاع منظمة التحرير يؤهلنا أن نطلب، وبكل قوة وحزم، من الأنظمة العربية بعدم التدخل في شؤوننا الداخلية، وأيضا بعدم إعطاء دولة الاحتلال فرصة للالتفاف على الموقف الفلسطيني الرافض لصفقة القرن باعتبارها "حلا" ينهي الصراع العربي الإسرائيلي على حساب الحقوق الفلسطينية، لأن هذا الصراع أساسه "الاحتلال" وينتهي بانتهاء الاحتلال وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة. وإن دخول العديد من الانظمة العربية في تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال لا يخدم مستقبل هذه الدول لا بل أيضا يساعد المشروع الصهيوني في تحقيق حلمه بإقامة الدولة اليهودية من النيل إلى الفرات، وتحويل الشعوب العربية إلى مجرد عبيد في خدمة هذه الدولة، هذه الشعوب التي ساهمت في النضال الوطني الفلسطيني وقدمت الشهداء والجرحى والأسرى لا ولن تقبل أن تكون حقوق الشعب الفلسطيني جسرا لعبور دولة الاحتلال إلى اوطانهم وتطبيع العلاقات معها.
وذات الأمر ينسحب على الدول الإسلامية فالمطلوب منها أيضا دعم نضالات الشعب الفلسطيني وتعزيز صموده على أرضه، وبخاصة في مدينة القدس التي تحتاج إلى الدعم المعنوي والمالي الذي يشكل حجر الأساس في الحفاظ على هذه المدينة ومجابهة عمليات التهويد والمصادرة. ولا شك بأن الفعل الذي يمكن أن تقوم به هذه الدول كبير تجاه دعم الحقوق الفلسطينية والوقوف في وجه صفقة القرن والمشروع الصهيوني الاستعماري بشكل عام.
فهجوم "السلام" من خلال مبادرة السلام العربية عام 2002، التي وافقت عليها جميع الدول العربية ولاحقا وفي العام 2003 اقرتها منظمة التعاون الإسلامي تعد أساسا للحل وإنهاء الصراع، وتبعد الدول العربية والاسلامية عن التطبيع المجاني مع دولة الاحتلال، فالدخول بعلاقات منفردة مع دولة الاحتلال يفقد هذه المبادرة زخمها ويفرغها من مضمونها، فالمطلوب الآن إعادة طرحها وبشكل جدي كأساس للحل والوصول إلى دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران للعام 1967، بعاصمتها القدس.
إن إعادة طرح هذه المبادرة من طرف الدول الــــ(57) العربية والإسلامية يقوي الموقف الفلسطيني ويوحد الموقف العربي والإسلامي، ويعطينا قوة لمطالبة الاتحاد الأوروبي ليس فقط بالضغط على دولة الاحتلال لوقف مشروعها الاستعماري والانخراط في مفاوضات للوصول إلى حل الدولتين، بل أيضا لمطالبة دول الاتحاد الاوروبي منفردة ومجتمعة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتجسيد حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية. فالجميع يعلم بأن هناك علاقات متينة تربط الاتحاد الاوروبي بدولة الاحتلال، ويمكن استثمار هذه العلاقات باتجاه انهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني وبالتوازي يضمن أن تكون "إسرائيل" دولة طبيعية تعيش بأمن وسلام مع جيرانها وفق احترام قواعد القانون الدولي وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
الولايات المتحدة الامريكية ومواقفها الداعمة لدولة الاحتلال، نابعة ليس فقط من تأثير اللوبي الصهيوني المسيحي على مفاصل صنع القرار في الإدارة الاميركية، بل أيضا من فهمها بأن "إسرائيل" هي قاعدتها المتقدمة في الشرق الأوسط وحامية لمصالحها في المنطقة، في ظل غياب فعل عربي واسلامي ضاغط على الولايات المتحدة باتجاه ربط مصالحها الأمنية والاقتصادية بالأمن والسلام الذي لن يتحقق إلا بقيام دولة فلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية.
الولايات المتحدة الامريكية لديها الكثير من أدوات الضغط على دولة الاحتلال والمطلوب منها أن تكون متناغمة مع مبادئها الدستورية القائمة على العدل والحرية والمساواة، وأن لا تنحاز إلى الاحتلال الذي يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان. على الولايات المتحدة العودة إلى تفعيل الرباعية الدولية والانخراط الفعلي في ايجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفق مبادرة السلام العربية، لأن البديل هو مزيد من انعدام الامن والفوضى، ودعمها للاحتلال لن يقود إلى استقرار، وإن كان هذا الاستقرار فهو مؤقت ولن يدوم لان الاحتلال ظُلم والظلم لا يمكن له أن يدوم.
إن مراهنة دولة الاحتلال على الدعم الاميركي، وعلى الموقف الأوروبي الرخو، وعلى اختراق الساحة العربية وعلى حالة الانقسام الفلسطيني، يدفعها لمزيد من التطرف والتغول باتجاه الغاء الحقوق الفلسطينية، وما نتج عن انتخابات الكنيست الأخيرة يؤشر على ذهاب المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين المتطرف، وهذا يعني مزيدا من المستوطنات وعمليات المصادرة والضم والقتل والتهجير وغيرها من السياسات الهادفة إلى اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه، ولكن وفي ذات الوقت يعني فلسطينيا مزيدا من الصمود والمقاومة لهذه السياسات، فالشعب الفلسطيني لن يقبل بأي حل على حساب حقوقه ولديه المخزون الثوري لمجابهة الاحتلال ومن يقف ورائه، ونقول لدولة الاحتلال أمامك خيار واحد هو الاقرار بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، فمهما وصلتم من قوة ومهما حصلتم على دعم ومهما راهنتم على قوتكم فنحن الأقوى ولن تُهزم ارادتنا في الحرية والعودة والاستقلال وبناء الدولة، ولن تجدون فلسطينيا واحدا يرضى بما رفضه القائد الشهيد الخالد ياسر عرفات ورفضه الاخ الرئيس ابو مازن وشهداء الثورة والجرحى والاسرى.... فلا تراهنوا .... نحن كطائر العنقاء سننهض من جديد
[email protected]
أضف تعليق