صرخ الدلال في المزاد العلني، معلنًا اقفال المزاد على أعلى سعر دفعه سعد الحرّان وهو (700) ألف شيكل ثمنًا للبيت الذي كان يملكه طبيب عيون معروف جدا، والذي استولى عليه البنك بعد أن تورّط ذلك الطبيب في ديون لها أول وما لها آخر. وكّل البنك محاميًا يدعى شلومو، ليقوم ببيعه في المزاد العلني.
يقع بيت الطبيب في عمارة الحايك بالدور الثالث، وبعد ثلاثة أيام، علمت "ام نعمة" التي تسكن في الدور الثاني في نفس العمارة، بأنه قد تم بيعه بالمزاد العلني لسعد الحرّان الذي يبعد عنهم مئات الأمتار. استغربت "ام نعمة" الأمر، وما أثارها أكثر هو أنّها لم تعرف بأنّه محجوز للبنك ومعروض للبيع بالمزاد، فأخبرت زوجها بالقصّة وهي تتحسّر كطفل غرير، لأنّه كان بالنسبة لهم "لُقطة"، فهي منذ فترة تبحث عن مأوى لابنها الذي أصبح في سن الزواج، ولا بدّ أنّه سيفعلها عاجلا أم آجلا، وهو حتمًا سيحتاج إلى مسكن يأويه مع زوجته وأولاده فيما بعد، وكم ستكون فرحتها كبيرة لو سكن فوق بيتها وبقربها.
امتعض "أبو نعمة" لهذا الخبر، ونفذت كلمات زوجته إلى نفسه كالسهام، وشعر بأنّ هناك من استغفله وأخفى عنه عرض البيع، فهو لا ينقصه المال، وله معارف في كل مكان. فكيف لم يخبره أحد بذلك؟
فجأة، بعد أن فكّر مليًّا بالموضوع، لمع في ذهنه بريق لفكرة، ثمّ قال لزوجته: لا تهكلي هم يا أم نعمة، وانزعي عنك غمرة اليأس، سيسكن ولدنا بجانبك إن شاء الله.
استغربت أم نعمة كلام زوجها، خاصة بعد فوات الأوان، أو كما يقولون "بعد أن فات الفأس بالرأس"، فسألته: كيف سيكون ذلك أم أن هذا حلم من أحلام الدجى؟
- دعي الأمور لي، وقريبًا ستحصلين على مبتغاك... حضري لي فنجان قهوة ودعيني أدخّن سيجارة حتى أستطيع رسم الخطة.
أشعل "أبو نعمة" سيجارته ومجّ مجّة طويلة ونفث دخانه بين عينيه الحادتين النفاذين وأنفه الذي يشبه منقار النسر.
لم يكذّب أبو نعمة خبرًا، ففي نفس اليوم، وعند ساعات المساء، قام بزيارة سعد الحرّان الذي يبعد عنه مئات الأمتار، بحجّة المباركة بالبيت الجديد وبأنهم سيصبحون جيران.
لم يكن استقبال سعد الحرّان لـ "أبو نعمة" حميميًّا، في بداية الأمر، فما كان من "أبو نعمة" إلا أن بادره بالقول: يا أستاذ سعد، أريد أن أشتري أنا أيضا بيت مثل بيتك لابني، فيا ليتك تعرفني على المحامي الذي رافقك، لعلّه يحصل لي على لقطة مثل التي حصلت عليها، ولك مني حلاوة ألفين دولار، إذا جمعتني به.
تغيّرت ملامح وجه سعد الحرّان، وتهلّل فرحًا، وقال: ولِمَ لا، امهلني يومين وسأجمعك به... ثمّ أضاف: صدّقني يا "أبو نعمة" لو كان بإمكاني بيعك نفس البيت بالسعر الذي اشتريته لبعتك إيّاه، لكنك تعرف أنه يساوي أكثر من مليون ولن تجد مثل هذه الأسعار في مدينتنا.
بعد يومين، التقى "أبو نعمة" بالمحامي شلومو، وأخبره بأنّه كان معنيًّا بشراء البيت، معاتبًا إياه كيف لا يعلمه بالمزاد، فهو أحق من سعد الحرّان، كونه يسكن في العمارة نفسها.
على الفور، ناول أبو نعمة شلومو مظروفًا فيه (20) ألف شيكل من تحت الطاولة، وقال له: افتح المزاد العلني مرّة أخرى، وأنا سأزيد (100) ألف شيكل على المبلغ الذي دُفع في المزاد السابق، تدبّر الأمر... عندها قال له المحامي بأن هناك إمكانية لفتح المزاد من جديد، لكن الأمر يتطلب اقناع بعض الأشخاص المتنفذين وهذا الأمر يحتاج إلى مصاريف ماديّة.
خرج أبو نعمة من عند شلومو، بعد أن أطفأ غله وأشبع نهمه وأكّد له الأخير بأنّ الأمور ستسير حسبما تشتهيه سُفنه.
استطاع المحامي إقناع البنك الذي هو صاحب الملك، خاصّة وأنه سيحصل على مبلغ أكبر من المبلغ الأول، فقامت إدارة البنك بإقناع المحكمة لكي تفتح المزاد من جديد، شريطة أن يشارك الفائز الأول سعد الحرّان في المزاد، ويكون المزاد بينهما فقط.
في نفس يوم صدور قرار المحكمة، أتى سعد الحرّان لزيارة "أبو نعمة" فارعًا دارعًا، وقال له:

- كيف فعلت بي ما فعلته؟
فقال "أبو نعمة":
- انا مستغرب من تصرفاتك يا أستاذ سعد، فهذا البيت من حقي وحق عائلتي، إنّه فوقي تمامًا، سقفي مصطبته وأريد ان يسكن ابني فوقي. انت يا جاري تسكن بعيدًا عنه، وانا اعمل بكد وجد منذ فترة للحصول عليه فكيف تدخل إلى المزاد العلني دون أن تعلمني.
تصنّع سعد الحرّان الغضب وقال بنوع من الخباثة:
- سأدفع لك (50) ألف شاقل لتنسحب من هذا المزاد، فأنا ربحته من بين عشرات الناس.
أجاب "أبو نعمة":
- لا، أنا سأدفع لك (80) ألف شاقل وانسحب انت من هذا المزاد، فنحن الاثنين فقط به.
- لكن هذا المبلغ قليل.
- ليس قليلا بالمرّة، فأنت حتى لا تستطيع دفع المبلغ الذي عرضته عليّ لأنسحب، لأنك لا تملك المال وقد سحبت كل ما تملك من أجل شرائه وانا أكثر منك ثراء وسعة من العيش.
سحب "أبو نعمة" من جيبه كشفًا ماليًّا بكل ما يملكه سعد الحرّان، مبيّنًا له بأنّه سحب كل ما وفّره في البنك حتى يستطيع الفوز بالمزاد. وقال له: لديّ معارف في كل مكان، وأستطيع الحصول على أيّة معلومة من البنك.
أعلن سعد الحرّان استسلامه، مدّعيًا أنّه غير راضٍ، وقبل بمبلغ (80) ألف لينسحب من المنافسة بالمزاد وبدا كالثعبان الذي يخرج من جحره ليجلس في شمس الصباح ليشعر بالدفء والامان.
في اليوم التالي صرخ الدلال مرة أخرى: (800) ألف شيكل ثمنًا للبيت، من يزيد... ألا أونا، ألا دوّي، ألا تريه... مبروك عليك يا أبو نعمة...
عاد أبو نعمة إلى زوجته وهو مسرور بعد أن حقّق ما طلبته، فاستقبلته ببشاشة، وكانت تجلس مع جارتها التي تسكن في الدور الأول، وعندما سألته الزوجة كم دفع للحصول عليه؟ أجاب:
- احسبيها أنت، فهي حسبة بسيطة، دفعت (2000) دولار في البداية لسعد الحرّان ليعرفني على المحام، ثم (20) ألف شيكل للمحامي رشوة، ثم مرّة أخرى (80) ألف شيكل لسعد الحرّان لكي ينسحب من المزاد، وألف شيكل لموظّف البنك، و(800) ألف شيكل ثمن الدار.
- يعني كم دفعت بالتحديد؟
- ما يقارب (900) ألف شيكل.
سألت "ام نعمة" "أبو نعمة": كيف نجحت خطتك؟
على الفور ارتفعت منه صيحة سرور عظيمة وقال:
- اهمّ شيء في هذه الدنيا ان يكون لك معارف، فهذا يتيح لك مسافات للتحرّك بحرّيّة.
****
تدخّلت الجارة وسألت: عن أيّ بيت تتحدثون؟
أجابت أم نعمة: عن بيت طبيب العيون الذي اشتراه سعد الحرّان، ولم يرد التنازل عنه إلا بعد ان احتال عليه زوجي.
قالت الجارة باستغراب: عرضه سعد الحرّان على زوجي فور حصوله عليه بـ (750) ألف شيكل!!!!!
نظرت أم نعمة إلى زوجها يملأها الضيق والمرارة، وألمت بهما ظلمة دامسة لا يلوح لها في حلكتها قبس ضياء، فما كان منه إلا أن صرخ بملء فمه: ألا أونا، ألا دوّي، ألا تريه...

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]