ترامب يريد من الشعب الفلسطيني إعلان الاستسلام الكامل دون شروط مقابل تحسين الظروف المعيشية، أو تقديم جزرة مسمومة تماماً، على اعتبار أن الفلسطينيين خسروا الحرب، على مراحل ابتداء من العام ١٩٤٨ مروراً بالعام ١٩٦٧ وصولاً إلى الانتفاضة الثانية، وبالتالي يجب عليهم التوقف عن التشبث بـ«الرواية الوطنية الفلسطينية» لأنها أصبحت من الماضي، ولأن المستقبل هو للدولة اليهودية والحركة الصهيونية الرائدة التي يجب أن تحصد ثمار النصر.
ترامب في مهرجان السيرك مع نتنياهو يقول إنه تعوّد على عقد الصفقات الصعبة، وإن لديه خبرة كبيرة في هذا المجال. لكن يبدو أن نجاحه التجاري مرتبط بغباء تاريخي، فهو أولاً لم يقرأ تاريخ المنطقة، ولا التاريخ الفلسطيني الحديث، ولا يعرف إلا كلمات وجملاً صاغها له ثلاثة أو أربعة مستوطنين يعملون مستشارين له، من أجل أن يظل رئيساً، وهو مستعد لتنفيذ مطالبهم كلها.
ترامب عندما يتحدث عن خسارة الحرب يعبر عن جهل لأن الشعب الفلسطيني خسر معارك، لكنه لم يخسر الحرب، لأنها مفتوحة، وبالتالي عليه إعادة قراءة التاريخ مرة ثانية، والاعتماد على مصادر حقيقية في كتابة التاريخ، وليس إلى الروايات العنصرية.
في كل معاركه كان الشعب الفلسطيني يخرج من رماده مرة ثانية، كل الضربات لم تكسره على الرغم من أنها موجعة.
ربما سنة أو خمس سنوات سيذهب ترامب، ولكن الشعب الفلسطيني سيكون قد تجذر أكثر في فلسطين التاريخية، اليوم هناك ٥١٪ من الفلسطينيين في فلسطين التاريخية مقابل ٤٩٪ من اليهود، وبعد ٥ سنوات سنكون ٥٥٪ مقابل ٤٥٪ رغم الهجرة اليهودية والمحفزات والعطايا.. كل هذا لن يفيد سياسة الضم والتهويد.
صفقة ترامب عندما يقرؤها القادرون على القراءة والتحليل - وليس الأغبياء الذين صفقوا في المؤتمر الصحافي لأنهم لم يقرؤوا ولم يحللوا - يدركون كم هي صفقة عنصرية كريهة، غير قابلة للتحقيق!!
المتمعن في قراءة نصوص الصفقة يعلم مدى التضليل الذي استخدمه ترامب في مؤتمره الصحافي عندما تحدث عن دولة فلسطينية، أي دولة هذه التي لا تسيطر على حدودها ومعابرها وثرواتها وأجوائها؟ أي دولة هذه التي لا تملك جيشاً ولا سلاحاً حتى للدفاع عن النفس من لصوص الليل؟ أي دولة هذه المحاصرة بين أنياب الكتل الاستيطانية؟ أي دولة هذه التي طرقها ستكون تحت الأرض كأنفاق حيوانات الخلد العمياء؟ أي دولة هذه التي ليس لها الحق حتى في استغلال مياهها الجوفية؟ حيث ينطبق عليها بيت الشعر (كالعيس في البيداء يقتلها الظما... والماء فوق ظهورها محمول). هذه دولة مسخ، دولة يتساءل طلبة المدارس كيف يرسمون خارطتها المستقبلية وهي مزيج من المثلثات والمربعات والنتواءات غير المتجانسة كالخرابيش في دفتر طالب أميّ.
أمام هذا الواقع لن تجد فلسطينياً أو عربياً ما زالت الشهامة العربية تسري في عروقه كالخيل الأصيلة يقبل بها، لا تلك المهجنة التي تحتمي بالإفرنجي، لتغطية عوراتها وحمايتها. قد نسمع أنظمة تقول "لعم" حفاظاً على عروشها، ولكن ما زالت الجماهير على الرغم من نكباتها تؤكد موقفها بـ "لا" كبيرة.
ضعف الأنظمة لا يبرر قبولها، نحن لم نطلب منها تحرير فلسطين، ولا تحريك جيوشها، جل ما نريده أن تلتزم الصمت إذا لم تعد قادرة على قوله كلمة "لا" ولو همساً.
الإسرائيليون يحاولون اللعب على وتر أن الفلسطينيين خسروا الدعم العربي. لا لم نخسر الشعوب حتماً لأن فلسطين هي القدس، هي الأقصى، يبدو أن الغباء لحق أيضاً بالمحللين الإسرائيليين، الضعف لا يعني الاستسلام، والشعب الفلسطيني كينبوع ماء متدفق قد يسقط حجر في مجراه فيضعفه، ولكن سرعان ما يعود إلى قوته.
أما القدس فلها أيضاً تاريخها.. وندعو ترامب إلى إعادة قراءة التاريخ، حتى الحروب الصليبية، كيف كانت نهايتها، وعندما تتضمن خطة الاستسلام تقسيم الحرم القدسي زمانياً ومكانياً فهي لا تلعب بالنار فقط بل تؤسس لحرب قادمة من نوع آخر.
صفقة ترامب لم توضع من أجل التنفيذ، لأن المشتري غائب، وإن حاول البعض إيهامنا بأن هناك مشترين فهو غبي وواهم.
منذ العام ١٩٦٧ وإسرائيل تفرض سياسة الأمر الواقع بالضم والمصادرة والاستيطان، فهل جلبت سلاماً، هل حققت تطلعاتها، هل وجدت من يوقع على التنازل أو يجعلها تشعر بالاطمئنان والأمان؟
الاحتلال اليوم، هو كالحرامي الذي يسرق ويظل في حالة قلق وترقب لما ستؤول إليه سرقته.
الشعب الفلسطيني سيبقى ملاحقاً لأولئك اللصوص الذين لن ينعموا بالسلام ولا بالراحة، وربما هي ساعات إذا ما تواصل الضغط الأميركي والإسرائيلي لتسريع الانفجار القادم في المنطقة! الذي يريد استسلام الفلسطينيين وتوقيعهم على صك الهزيمة لم يولد بعد! أربعة أجيال فلتتبعهم أربعة أجيال أخرى لا يهم... ولكن لن نرفع الراية البيضاء!!! ولن نتنازل عن ذرة من تراب وطننا.
المصدر: شبكة راية
[email protected]
أضف تعليق