مصطلحات عثمانية تحت مظلة الجغرافيا الحضارية""

بسم الله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونصلي ونسلم ونبارك على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
تقسم الجغرافيا إلى قسمين رئيسين: الجغرافية الطبيعية؛ والتي تبحث بكل ما يتعلق بالعوامل الطبيعة، منها: المناخ، حالة الطقس، ظواهر جيولوجية وغيرها. والجغرافيا البشرية؛ والتي تتناول كل ما يتعلق بتدخل العامل البشري بالطبيعة، منها: الجغرافية التاريخية، السياسية، الاقتصادية، المواصلات والحضارية. وتلك الأخيرة، تبحث بالتغيرات التي تطرأ على حضارة أو مجتمع معين نتيجة تعرضها لفكر أو نهج بشري، فمثلاً في اعقاب بسط نفوذ العولمة على ارجاء الكرة الأرضية، نرى الكثير من الحضارات اكتسبت عادات وتقاليد جديدة لم تكن مكشوفة لها من قبل.
في هذا المقال سأتناول بإيجاز عرض لبعض المصطلحات التي أُودعت في المجتمعات العربية خلال حكم العثمانيين لبلادنا.
نتيجة لأهمية الموقع الجغرافي والاستراتيجي لبلادنا، فقد قبعت عبر التاريخ تحت سلطات حكم مختلفة، ومن هذه الفترات كانت الدولة العثمانية التي حكمت بلادنا مدة 400 سنة، والتي كان صدرها بعد انتصارها على المماليك في آب 1516 وختامها في ايلول 1918 بعد هزيمتها امام بريطانيا في الحرب العالمية الاولى.
خلال حكم العثمانيين، استقت البلاد بعض المصطلحات العثمانية، التي ما زالت تقع على اسماعنا حتى يومنا هذا. وسأقسِّم هذه المصطلحات وفق التخصصات والمجالات التي تبنتها المجتمعات:

المهن: تعددت المهن والحِرف في تلك الفترة وقد تم اضافه "جي" في اواخر المهن ؛ " كندرجي " الذي يعمل في تصليح الاحذية ، " خضرجي" بائع الخضار ، "طوبرجي " العامل في ورشات البناء . وبذلك تكون "الجي" من اللهجات العثمانية التي تميزت بعا اللغة آنذاك.
ثقافية: كلمة "امان" التي تستعمل بالطرب والغناء، تم أخذها من التراث العثماني، ويتغنى بها المطربون، والتي ما زالت تُستعمل إلى اليوم، " استمارة " استعملت من اجل تحديد وزن البراميل، وكان هنالك موظفون مختصون يقومون بهذا العمل، واليوم تستعمل كلمة استمارة لكل تقرير. " الإعدادية " وهي المدارس التي وضع نظامها عام 1869م، وهي تعادل المدارس الثانوية في أيامنا، وسميت بهذا الاسم لأنها تحضر الطلاب للمرحلة الجامعية.
أدوات منزليه/ مهنية: هنالك بعض الأدوات التي توضع في البيوت، أُخذت أسماؤها من التراث العثماني؛ "دولاب" مرادفة لكلمة خزانة، "شنطة " حقيبة، "درابزين " جدار من الحديد، قد يُستعمل في البيوت أو في الأماكن العامة، خاصةً على جوانب الطريق للحفاظ على سلامة المارة، " شاكوش" وهي المطرقة التي تستعمل بشكل عام في فرع البناء، "لامبة" المصباح، "اوضه/ اودة " الحجرة أو الغرفة.
مصطلحات عسكرية/ سياسية: اهتم الجيش العثماني بتجنيد العديد من سكان البلاد التي خضعت لسلطتهم ، وتم استعمال مصطلحات عسكرية بقيت حتى زماننا ؛ " طابور" وهو تنظيم الجيش أمام القائد لتلقى الأوامر والتعليمات ، " جزمة " وهي حذاء طويل يرتديه الجندي، " دغري" الإشارة للسير المستقيم، " الآغا" الضابط ، وبعد ذلك أصبحت تُستعمل للشخص صاحب النفوذ والمال الكثير، " باشا" بالأساس هي كلمة سياسية، أُستعملت لمشاة الملك وحكام الولايات ، وبعد ذلك استعملت لضباط الجيش ، "البك" وتستعمل لصاحب الأمر والامراء وتختلف عن البيك الذي تعني الخادم، " القشلة " وتعني المعسكر الشتوي، وبعد ذلك أُستعملت لمركز الشرطة، " المختار" وهو ممثل المجتمع أمام المؤسسات الحكومية، تم ترشيحهم لأول مرة في إسطنبول عام 1834م وبعد ذلك انتقلت تدريجيًا الى الولايات.
الإقتصاد: " جُمرك" ضريبة الانتقال من منطقة لأخرى، حتى أن هنالك بعض الاماكن التي ما زال يطلق عليها " الجُمرك " كونها احتضنت نقطة معبر مثل طريق الجُمرك في الجولان قرب بركة المسدسات البركانية، "بقشيش " وهي الإكرامية للنادل، "طز" مرادفة لكلمة الملح الذي لا تُدفع عليه ضريبة، لهذا كان جندي الحدود يتجاهل الملح ومن هنا جاء التجاهل باستعمال كلمة "طز "، " طابو " عبارة عن وثيقة رسمية لملكية الأرض.
مصطلحات اجتماعية: "قبضاي " وهو الرجل الذي يتميز بالمروءة والقوة، "عفارم" تستعمل لمن يقوم بعمل حسن، " أفندي " احدى المصطلحات الاجتماعية التي أطلقت لشخصيات من الطبقة الوسطى او العليا الذين تميزوا بمناصب، وظائفية، إدارية وعلمية، " برنچي " للدلالة على حسن العمل، "البقجة " وتعني بالعثمانية الخنق وهي قطعة من القماش تستعمل من اجل ربط الأغراض.
ختامًا؛ من نتائج الحكم الخارجي لمنطقة جغرافية معينة، هو وجود بعض المصطلحات او العادات التي وصلت للسكان المحليين من هذا الحكم، واصبحت جزءًا من حياتهم وتناقلتها الأجيال. والدولة العثمانية كغيرها من الدول، حكمت وتركت في الشعوب جزءًا من لغتها، ولقد نجحت في توريث ثقافتها وانزالها على السكان المحليين. بقي ان أشير، أن هنالك مصطلحات أخرى لم أستطع توثيقها في المقال لعدم تمكني من التعرف عليها.

والحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات.