ازدادت وتيرة التصريحات والتحليلات الإسرائيلية الرسمية والإعلامية مؤخراً بشأن قرب التوصل إلى اتفاق هدنة طويلة الأمد بين إسرائيل وحركة «حماس» برعاية مصرية. وتناولت الأحاديث المتواترة حصول تقدم في المفاوضات بين الطرفين، وربما يكون تصريح الوزير تساحي هنغبي المقرب من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي قال فيه إن «التسوية مع غزة باتت أقرب من أي وقت مضى»، يعكس حرارة الأمور فيما يتعلق بسير المفاوضات.
مع ذلك يتحدثون في إسرائيل عن وجود عقبات تتمثل بموضوع الأسرى الإسرائيليين في غزة والذين ترفض «حماس» الحديث بشأنهم حتى تفرج السلطات الإسرائيلية عن المعتقلين الفلسطينيين من صفقة غلعاد شاليت. وإذا صح ما نشر في صحيفة القبس الكويتية أول من أمس، فإنه قد تم حل المعضلة بتحويل الملف إلى المحكمة الإسرائيلية التي يمكنها الإفراج عن هؤلاء المعتقلين الفلسطينيين بدعوى الاكتفاء بالمُدد التي قضوها في السجن قبل الإفراج عنهم.
على كل حال الهدنة تحقق لإسرائيل كل ما ترغب فيه بدون أي ثمن سياسي، حتى لو اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى الإفراج عن عدد من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين يبقى هذا ثمناً بخساً، مقابل ما تحققه إسرائيل في المقابل، وهو تحييد قطاع غزة في معركة السيطرة على القدس والضفة الغربية. بمعنى ستحصل إسرائيل على الأمن مقابل تسهيلات اقتصادية وإنسانية هي في واقع الحال أقل من التي كانت لدى الفلسطينيين قبل انقلاب «حماس» وسيطرتها على قطاع غزة. وهنا ستكون الفصائل في غزة مقابل التسهيلات وضمان استمرار حكم «حماس» قد تنازلت عن فكرة تحرير الوطن التي بالغ بعضها فيها، لدرجة الحديث عن فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، والاكتفاء بكيان هزيل لا مستقبل له في غزة.
لا يستطيع أحد إذا ما تم الاتفاق حول الهدنة طويلة الأجل أن يُقنع الشعب الفلسطيني بالثمن الذي سيقبض، مقابل العدد الهائل من الشهداء والجرحى والعذابات الكبيرة التي عاشها أبناء شعبنا في قطاع غزة الذي تعرض لحصار ودمار كبير طال كل مجالات الحياة، إلى درجة أن عشرات الآلاف من خيرة شباب القطاع غادروه في هجرة تحتمل الكثير من المخاطر في مغامرة الذهاب نحو المجهول، عدا عن الخسارة الوطنية الكبيرة بتفريغ الوطن من أعداد كبيرة من المواطنين. وسيظل السؤال المطروح: لماذا هذه التضحيات إذا كنا سنعود إلى ما هو أقل مما كان لدينا.
من الواضح أن إسرائيل و»حماس» معنيتان بالتوصل إلى اتفاق، فالحكومة الإسرائيلية يمكن أن تسجل لنفسها إنجازاً كبيراً بتحقيق الأمن على الحدود مع قطاع غزة، وخاصة للبلدات التي عاشت الوضع الصعب في ظل المواجهات المتكررة والقصف المتبادل، و»حماس» تريد تغيير الواقع في غزة نحو انفراج وتحسين شروط المعيشة حتى تتفادى الانفجار وتضمن استمرار سلطتها في القطاع. ولكن المصالح المشتركة للطرفين لا تتعلق بالمصلحة الأكيدة للشعب الفلسطيني في الخلاص من الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل الاراضي المحتلة منذ العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
فإسرائيل ليست في وارد مجرد الحديث عن حل الدولتين، وهي ترفض فكرة الانسحاب، ونتنياهو يعد ناخبيه بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية إلى إسرائيل.
ربما يخدم نتنياهو أن يحصل على اتفاق الهدنة مع غزة قبل الانتخابات، فهذا يتيح له مجالاً واسعاً للتخلص من عبء المواجهات مع غزة والذي اصبح يثقل عليه في انتقادات خصومه ومنافسيه الذين يعدون بتغيير السياسة الإسرائيلية تماماً بشأن غزة، وبعضهم يعد بالحرب على الفصائل وإنهاء الوضع القائم الذي تهدد فيه غزة أمن إسرائيل. ولكن يظل السؤال هل يستطيع نتنياهو أن ينجز الاتفاق قبل الانتخابات ويتغلب على عقدة تبادل الأسرى؟ وهل الحكومة الإسرائيلية مستعدة لتقديم الثمن بالإفراج عن العدد المطلوب من الأسرى الذين بدون شك سيشملون أسرى من العيار الثقيل بالنسبة لإسرائيل؟
طبعاً كل شيء ممكن في السياسة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمصالح شخصية وحزبية، حتى لو كانت تتناقض مع تصريحات ومواقف سابقة. ونحن تعودنا على أكاذيب نتنياهو وخاصة في خضم العملية الانتخابية، فهو يعد الجمهور بضم غور الأردن وفرض السيادة على المستوطنات وترسيم حدود إسرائيل الجديدة، وهذا لا يتساوق مع الوضع الجديد وسيف المحكمة الجنائية الدولية مسلط على رقاب المسؤولين الإسرائيليين. ومع ذلك نتنياهو خبير وناجح في استقطاب الجمهور الإسرائيلي واقناعه بمواقفه.
ولكن هل تستطيع «حماس» والفصائل التي تسير في فلكها إقناع الناس بأن الثمن الذي حصلت عليه مقابل تغيير جذري في مواقفها المعلنة وسياستها على الأرض تجاه الصراع مع إسرائيل هو ما يريده المواطنون وما يسعون له. أم أنها هي الأخرى ستنجح في تسويق هذا الموقف باعتباره ضرورة وفترة استراحة وتهيئة لما هو قادم. ربما تستطيع «حماس» تفسير لماذا تم إيقاف مسيرات العودة وفك الحصار، بالحصول على انفراجة في موضوع التسهيلات في غزة، وإن كانت لا تزال بعيدة عن تلبية شروط الفصائل، فلا عودة تحققت أو تم الاقتراب منها، ولا تمت إزالة الحصار بشكل كامل مع غزة. ولكن سيكون من الصعب جداً إن لم يكن من المستحيل إقناع الجماهير بالهدنة الطويلة مقابل التسهيلات، فأين هو الوطن والتحرير والقدس وحق العودة ؟!!
[email protected]
أضف تعليق