ها هي الأيام تمضي لنودع عاماً ونستقبل عاماً جديداً، بأيامهِ وساعاتهِ ولحظاتهِ لكن تبقى الأيام هي نفسها لا تتغير، إلا الإنسان فانه دائم التغيير ففي كل عام يكون فيه إنسان آخر، هناك من يبكي على الأيام والفرص التي ضيعها، وهناك من يشحذ طاقته ليعوض ما فاته من خلال هذه السنة الجديدة، وليحقق ما كان يصبو إليه، إذ أن الإنسان لا ينبغي عليه أن يبكي على ما مضى، بل يبكي على ما فرط في حق نفسه، فالمرء لا يشاك بشوكة إلا بذنب اقترفه في حق نفسه، أو في حق غيره، وكلنا أهل ذنب، والظلم ذنب عظيم، أما من يشحذ طاقته في تحقيق غاياتهِ، وأهدافهِ، في العام الجديد، فعليه أن يشحذها في تذكر من ظلمهم وأساء إليهم ، لان من يظلم نفساً سوف يواجه عواقب ذلك، وسيكون هذا الظلم حجاباً له أمام ما يسعى لتحقيقه في مستقبله ، فان كان الظلم ظلمات يوم الحساب ، فلابد من أن يصيبه في دنياه منها وتقف عائقا في تحقيق أماله وأمانيه .
وربَّ سائل يسأل ولماذا الظلم بالذات !
نعم أخي الكريم ، الظلم بالذات لأن الظلم قد استشرى واستفحل في مجتمعنا بل وطالت مظاهره كل جوانب حياتنا ، إذ انه السبب الأول في كل بلاء وشقاء ، كيف لا ، ومجتمعنا غارق في الدم ، ففي العام الذي نودعه، ودعنا معه مئات من الضحايا التي قتلت على يد أبناء جلدتنا، فهؤلاء القتلة ظالمو أنفسهم في المقام الأول قبل أن يظلموا أهل ضحاياهم من أيتام وأرامل ، فكيف لمثل هؤلاء من تحقيق أمنيات وآمال لو كانت بسيطة .
وهناك بعض المُدِراء والمدرسين من ائتمنهم الناس على أبنائهم، وفلذات أكبادهم حين أرسلوهم إليهم بغية تعليمهم، وإخراجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم، والمعرفة، ولكن مع بالغ الأسف خرجوا من عندهم أميين خالي الوفاض من العلم والأدب ، فظلموا أنفسهم بخيانتهم للأمانة التي سلمت إليهم، وكسبوا رواتبهم بالحرام، وظلموا غيرهم جراء تجهيلهم، وعدم أداء الأمانة إلى لأهلها .
وهم أيضا لن تتحقق لهم غايات أو أمال، فإن لم تكفي شهادة الامتحان الدولي " بيزا " دليلاً لتجريمهم، فتسكع أبنائنا في الشوارع خير دليل، وكذلك الخصوم في المنازعات الذين يبغيّ بعضهم على بعض ظلما،ً وعدواناً، لن يبلغوا غايةً بظلمهم ولن تتحقق لهم أماني ولا آمال، وينضم إليهم كل رب عمل يظلم موظفيه، وطاقمه، إما بعدم دفع مستحقاتهم، وإما بعدم تقدير جهودهم ولو كانت بسيطة، كل ذلك ظلم هادم للاماني، والآمال، وعائق في سبيل تحقيقها. ولو تحرينا مواضع الظلم، والظالمين في مجتمعنا لطالت القائمة وشح المداد.
في ظل هذا كله، نسي مجتمعنا أو قد تناسى أن العدل، والظلم ضدان لا يجتمعان معاً في قلب واحد، وكل منهما تترتب عليه أثار وتبعات، فإن غاب العدل حل الظلم، وحلت معه تبعات غياب العدل المتمثلة في كل ما يجري في مجتمعنا من قتل، وجهل، وعقوق، وخذلان، وان حل العدل غاب الظلم، وحلت معه تبعاته التي تلاحظ، وتلتمس في حياة، وسلوك الأوروبيين الذين ينتهجون سلوكاً إسلاميا مع أن ليس في قلوبهم من الإسلام شيئاً .
لا يعني ذلك أن مجتمعنا يخلو من الخير، والخيرين أهل العدل، والإحسان، لكن بفعلك أنت أيها الظالم تظلم هذه الفئة بغرسك في قلوبهم الحزن، والحسرة، يوم تدوس بظلمك قيمهم، ومبادئهم، وتقتل مشاعرهم عندما يحول ظلمك دون نشرهم لما يؤمنون به من خير .
أيها الظالم تب وأجعل العام الجديد سُلماً ترتقي من خلالهِ إلى تذوق حلاوة العدل، قبل أن يتخطفك يقين من ظلمت بما وعد الله حين قال على لسان نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم : " إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لن يفلته ". وحسرتهم، وهم يرددون ستبقى تغلبني يا ظالم ما دام الله لك يملي .
2 Attachments
[email protected]
أضف تعليق