كتب :إبراهيم حجازي - رئيس المكتب السياسيّ في الحركة الإسلاميّة

تُؤخذ العبرة بعموم اللفظ وإن اختصّ السبب، ومع أنّي لا أُخرج السبب الّذي أكتب فيه مقالي هذا فيما يخصّ التغييرات الّتي تنشدها بلديّة طمرة في هيكلة المبنى التنظيميّ إلّا أنّني أرى العبرة والحكمة والنصيحة في شمولها لجميع مجالسنا وبلديّاتنا العربيّة، وغالبًا ما تتشابه الحالات في كافّة مدننا وقرانا بدءًا من آليّة إدارة الانتخابات المحلّيّة وحتّى ثقافة التوظيفات والتعيينات. بناء عليه فإنّني أتناول طمرة كنموذج يمثّل ما يدور في مؤسّساتنا البلديّة من مجالس وبلديّات بل حتّى مدارس ووظائف بلديّة أخرى. وإنّ الملاحظات الّتي أوردها في هذه المقالة تأتي من باب النصيحة والتناصح، فلا أدّعي أنّ ما أطرحه هو الحقّ الّذي لا حقّ بعده لكنّني أدّعي جازمًا أنّ أسلوب التوظيف والتعيين المتّبع غالبًا في بلديّاتنا ومجالسنا العربيّة لا يلائم التطوّر العصريّ والرؤى المستقبليّة لتطوير وتعمير وإنعاش بلداننا على كافّة المستويات.
تعتزم إدارة بلديّة طمرة القيام بخطوات مباركة ومستحقّة لإعادة هيكلة المبنى التنظيميّ الخاصّ بها، وهذا يؤدّي لا محالة إلى نشوء وظائف رسميّة رفيعة قد تكون ذات وجهين: إمّا أن تُحسن البلديّة اختيار من يُشغل هذه المناصب فترتقي البلديّة ويرتقي العمل البلديّ وبالتالي تصبّ المصلحة على كلّ مواطن طمراويّ، وإمّا أن يُوظّف من لا يمتلك المؤهّلات -لا أقصد مؤهّلات شروط المناقصة- فتعاني طمرة ويتقهقر العمل البلديّ سنين طوال. فهل تستغل بلديّة طمرة مشروع هيكلة المبنى التنظيميّ لاستعادة قيم العدالة والمساواة في الشارع الطمراويّ؟ هل تستثمر المشروع لقيادة طمرة نحو مسار مهنيّ سليم يضمن مستقبل أبنائها؟ كيف؟ لماذا؟ وكيف نضمن من خلال إعادة الهيكلة التنظيميّة مصلحة البلد ومستقبل أبنائه؟
كي يتحقّق هذا الأمر لا بدّ من توفّر شروط ليكون الاختيار مهنيًّا، وتُغلَّب المصالح العامّة على الخاصّة ومصلحة المجموع على المصلحة الفرديّة الضيّقة، وهذا ما نتوخّاه من بلديّة طمرة بل مِن كلّ سلطة محليّة عربيّة للنهوض بالمجتمع وتحقيق العدل والمساواة والشراكة، فهذا الأساس المتين لبناء الإنسان وتقوية أواصر المجتمع لنتغلّب على كلّ الظواهر السلبيّة لا سيّما العنف والجريمة.
إضافة للوظائف الإداريّة الكبيرة والمؤثّرة الّتي تنشأ مع إعادة الهيكلة فإنّ هناك وظائف كبيرة أخرى قائمة اليوم والتي ستصبح شاغرة ربّما في القريب العاجل، إذ سيتقاعد عدد من كبار الموظفين وسيحّل موظّفون كبار مكانهم. كما لا أرى أنّ الوظائف الأصغر حجمًا لا تقلّ أهمّيّة، فكلّ إنسان في وظيفته مهمّ، لذلك إعادة الهيكلة في البلدية وضخّ دماء جديدة من شأنهما قيادة العمل البلديّ بكافّة مجالاته نحو تحقيق عدالة مجتمعيّة ومساواة حقيقيّة شريطة اختيار الكفاءات المناسبة.
لا يخفى على أحد أنّ طمرة -أسوة بكلّ البلاد- اتّسعت وما تزال وكبرت وما تزال، فلا بدّ من برمجة التّنظيم وهيكلته بما يتوافق ويتناسب مع التجدّد العصريّ، لذلك فإنّ هذه الخطوة مطلوبة بشرط الاستمراريّة واليقظة والإتقان، وهو ما نتوخّاه من البلديّة آملين أن لا تدخل في هذه الهيكلة اعتبارات غير مهنيّة. هكذا علمّنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قال: "إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه"، وهكذا أُمرنا دينيًّا واجتماعيًّا وأخلاقيًّا بإتقان العمل، وإلّا يُعدّ هباءً منثورًا، قال تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ والإحسان هو الإتقان والإحكام.
بناءً على ما تقدّم فإنّني أنصح بالآتي:
هذه الوظائف أمانة ومسؤوليّة يتوقّف عليها تطوّر البلد عمرانيًّا، تربويًّا، علميًّا، اقتصاديًّا، صحّيًّا، اجتماعيًّا وفي كافّة المجالات الحيويّة الأخرى كما تساهم في النهضة المجتمعيّة، لذلك لا بدّ من اتّباع أحدث الأساليب والرؤى التشغيليّة الحديثة للّذين يتقدّمون لإشغال هذه الوظائف، حيث يتطلّب ذلك التعامل مع الاختيار بمنتهى الجدّيّة والمهنيّة والعدل والمساواة، وألّا يتوقّف الأمر عند لجنة مقابلات تتعامل مع الوظائف وفق شروط المناقصة فحسب. وأنصح باعتماد شركة خارجيّة مختصّة يُشهَد لها بالنزاهة والمهنيّة والخبرة المتراكمة، تُقيّم مهنيّة وخبرة وقدرة وأمانة المتقدّمين للوظائف من خلال اختبارات مراكز التقييم المهنيّ (מרכזי הערכה) وامتحانات تتعلّق باستخدام المعرفة النفسيّة في التطبيقات العمليّة (פסיכוטכני).
كلُّ من يجتاز هذه المراحل ينتقل للجنة المناقصات الخاصّة في البلديّة لاختيار الأنسب من بين مجموعة المؤهَّلين فعليًّا لمثل هذه الوظائف، في حين يُرفَض من لم يَجتَزْ هذه المراحل ولو كان ملائمًا وفق شروط المناقصة الأوّليّة (هذا كلّه يكون مُثبَتًا ومقرّرًا مسبقًا عند نشر المناقصة ليكون الجميع على بيّنة من أمرهم). بذلك نضمن أنّ كلّ من وصل لمرحلة المقابلات في لجنة مناقصات البلديّة هو شخص ملائم من ناحية ذهنيّة وإداريّة لإشغال الوظيفة.
هذه المسارات ليست ابتكارًا جديدًا بل هي مسارات مهنيّة قائمة تتعامل من خلالها الشركات الخاصّة وبعض البلديّات والشركات الحكوميّة الّتي تنشد اختيارًا وتوظيفًا مهنيًّا موفّقًا، فإن كان هذا الحال في اختيار مدير مؤسّسة جماهيريّة أو مدير مؤسّسة خاصّة فمن باب أولى أن يمرّ من يريد تولّي مهمّة تعالج قضايا الناس والمجتمع بكافّة تركيباته بمسار أكثر جدّيّة وأعمق كيفيّة لاختيار أجود وأقدر المتقدّمين.

ثقتي كبيرة بأبناء وبنات بلدي طمرة، فلدينا قدرات ومواهب قادرة على قيادة كلّ نوع من الوظائف، وما علينا إلّا أن نهيّئ الفرص للجميع دون استثناء كي يثبتوا جدارتهم في إشغال الوظائف الهامّة، فهذه الوظائف مفصليّة لبناء مجتمع طمراويّ يسعى للأمن والمساواة المجتمعيّة بالمستويات كافة. وأنصح إخواني رؤساء المجالس والبلديّات العربيّة أن يتّبعوا مسارات مهنيّة في أيّ توظيف ينشدوه، فالوظيفة مسؤوليّة وأمانة فلنتّق الله فيها.

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]