مع بدء الاستعدادات الخاصّة والعامّة، لاستقبال الأعياد المجيدة، تلازمها سنويًّا قضيَّة توحيد الأعياد، والتي تحوّلت مع السنين إلى حالة من الترقّب المشوب بالتخبّط الاجتماعي، يعني لا ولن نشعر بفرحة الأعياد المجيدة، إذا لم تُمنَح تأشيرة دينيّة جديدة، تسمح للمحتفلين بالاحتفال سويّةً بعيد الميلاد المجيد، الذي ننتظر قدومه، لما يحمل معه من مناسبات اجتماعية منوّعة المضامين الرّوحية السّامية.
شجرة الميلاد التي تزيّن بيوتنا سنويًّا، مكوّنة من جذع صناعي واحد، نعلّق عليه الأغصان والزّينة الميلادية، وحِبال الإضاءة المشعشعة بالفرح، يعني تجتمع جميع هذه العناصر الميلادية على هذا الجذع غير القابل للتجزئة، لنجتمع كلّنا حول الشجرة، أعني أنّنا لا نجتمع حول عدّة شجرات بمجموعات عائليّة، لا نحتفل أسريًّا بتواريخ أخرى، هذا دليل واضح أنّنا ننبذ أي تفرقة احتفالية، ننادي بأهميّة اللمة العائليّة، ننتظر سنويًّا حلول هذا الموسم المميّز، لنقتنص ولو مرّة في السنة، فرصة تلاقي أفراد العائلة سويًّا.
من جانب آخر، رؤساء الكنائس يريدون أن يبقى هذا الانقسام المسيحي، حفاظًا على تراث الخلافات التقليديّة، القائمة بينهم!! امتدّت جذور هذا الصّراع الدّيني عميقًا في أرض الكنيسة، بات من الصعب اجتثاث أسبابَ انقساماتٍ عمرها مئات السّنين، حتّى لو أزلناها، لكنّها تعود لتنبت مُجدّدًا، بغية تبرير استمراريّة عدم وحدة الكنيسة وتوحيد الأعياد.
رؤساء الكنائس لا يسعون للتعالي على هذه الانقسامات، رغم أنها منافية تمامًا لتعاليم السيد المسيح. الكهنة الذين ينادون بثالوث التآخي والوحدة والمحبّة، في عِظاتهم الأسبوعيّة والموسميّة، ستبقى بالنسبة لهم مجرّد تصوّر روحي لا أكثر، ليتلاشى هذا الثّالوث، عندما يلامِس الواقع اليومي غير الموحّد. لذا عدم توحيد الأعياد في بعض المدن والقرى العربية في البلاد، حتمًا يؤدي إلى استمرار البلبلة بين النّاس، الذين باتوا يدركون أهمية توحيد الأعياد بين الأخوة المسيحيين، للحد من تكرار نفس الطقوس الدينيّة بين مختلف الطوائف المسيحيّة التي تحيا في بلد واحد أو حتّى في حيًّ واحد، فاستنساخ هذه الأعياد بأكثر من موعد، يعتبر ملهاة احتفالية غير مُجدية.
إعلان رجال الدّين فك رباط توحيد الأعياد، يعني أنّنا على موعدٍ آخر لإضاءة شجرة ميلادٍ إضافيّة، معقول ذلك؟!... يبدو أنّه يشد خناق الوقت على مواعيد احتفالية أخرى، مُحدّدة مُسبقًا! توحيد كافّة الأعياد ليس له صلاحيّة زمنية محدّدة... ليس توقيتًا شتويًّا أو صيفيًّا، تسنّه الحكومات حسب أهواء ائتلافاتها، وتلغيها وقتما تشاء. عدم تلاحم الأعياد المسيحيّة، سيؤدّي إلى توسيع فجوة التباعد الدّيني بين الطوائف المسيحيّة... سيحصل تناقضًا في الأسس الإيمانية. يجب أن يكون توحيد الأعياد شاملاً معَمّمًا على كل المجتمع...
... لأنّه مطلب السّاعة، ويجب أن يبقى ثابتًا، فهذه المزاجيّة الاحتفاليّة التي يفرضها الكهنة على الشّعب، كلّما اقترب مواسم الأعياد، لا تخدم المعاني العريقة للأعياد المجيدة، بل على العكس، فإنها تقلّل من أهميّتها الاجتماعية والدينيّة، يصبح الأمر مدعاةً للسُّخرية بين الطوائف الأخرى، إذ نجد طائفة مسيحيّة تسير حسب التقويم الشّرقي تحتفل بالميلاد المجيد، فقط كمظهر اجتماعي تقليدي، يجب الالتزام به، بينما كهنة الرّعية نهار العيد، لا يحتفلون بالطّقوس الدّينيّة المتعارف عليها، رغم أن الرّعايا، تسعى جاهدةً لتوحيد الأعياد، حفاظًا على وحدة الطوائف المسيحيّة، التي ما زالت تعاني من الانقسام الكنسي الحاد، الذي يتنافى مع وجوب تقريب وجهات النّظر بين رؤساء الكنائس.
الأجيال النّاشئة التي تشارك في إضاءة شجرة الميلاد، لن يعنيها رأب هذا التصدّع في الأعياد، طالما أنها تحتفل ليس حسب الطقوس المتعارف عليها، بل حسب طقوسها الشّبابيّة الحديثة، من خلال مشاركتها في هوسة الكريسماس ماركت!، وذلك لعدم وجود توعية حول أهميّة توحيد الأعياد، من خلال الفيسبوك... توحيد الأعياد هو السَّقف الذي سيجمعنا تحته، وسيبقى بنظري العيد المجيد الأسمى، الذي يجب أن نقدّسه، لأنه يرفعنا فوق أي اعتبارات توضيحيّة لا نؤمن بها. أتمنّى على كافّة رجال الدّين في مجتمعنا أن يضيئوا نجمة توحيد الأعياد، عسى أن تهدي بلداتنا العربية إلى مغارة التوافق الدّيني، لخير وِحدَة الطّوائف المسيحيّة، ميلاد مجيد وكل عام ومجتمعنا بخير وأمان.
[email protected]
أضف تعليق