انا مثل كل النسويات، مع النساء، مع الضحايا، أصدقهن وسأحاول ما استطعت المساعدة، معظم النساء اللواتي اخترن البوح بما حصل لهن لا يبحثن عن العقاب او الانتقام بل يسعيّن للتخلص من حمل أثقل ظهورهن لسنوات، سنوات نحلم ان تنتهي، كانت فيها تخاف المرأة من اللوم والتأنيب من قبل المجتمع، زمان كانت ستدفع فيه الضحية ثمنا باهظاً اذا تكلمت، وواجهت وقاومت لوحدها. نشر القصص يرسل رسالة أنك لست وحيدة ولست مذنبة ومعاً نستطيع تغيير الحال والقيم والنهج القديم البالي.
يحق لأي جمعية تنظيم حملة إعلامية ضمن أجندتها النسوية، طبيعي جدا ان تحدث حملة مكثفة وقوية ضجة وتثير نقاشا حول الموضوع . هذا هو المطلوب من الجمعيات الناشطة وهذا دورها، مثلاً جمعية "نعم"- نساء عربيات في المركز تواكب قصص ضحايا العنف والجريمة، وتخرج للحيّز العام قصص قتل النساء العربيات بهدف التوعية وتفكيك الأفكار المجتمعية المتقبلة لجرائم القتل كظاهرة محتومة غير قابلة للتغيير.
هل يحب المجرمين النشر؟!
هل عائلاتهم تؤيد "النبش" وإخراج الحقيقة؟! هل تحب الشرطة والسلطة والمقصرين النقد؟! طبعاً لا، هل ترجع النساء للحياة ؟! للأسف لا.
ولكن لا سبيل آخر من التغيير، نشر الحقيقة هو أول خطوة للإصلاح، لاننا كناشطات وعاملات اجتماعيات ومهنيات مقتنعات تمامًا اننا نستحق، رجالاً ونساءً، حياة اكثر أمانا خالية من كل أنواع العنف والتمييز والقمع ومن التحرش ايضاً.
التحرش الجنسي لا يقتل النساء جسدياً، ولكنة إفراز ملوث من جسد مجتمع تجري في عروقه الفوقية الذكوريّة، ويجب ان يعقم وينظف تماماً، يسيء بعض الرجال استخدام مكانتهم السياسية والاجتماعية والحزبية للمس بِنَا معنوياً وجسدياً للحصول على لحظات واهمة تؤكد سيطرة الرجل من خلال لحظات دغدغة الغرائز الجنسية. تصرف نابع من تراكمات تربية خاطئة تعطي الرجل أفضليات وامتيازات لمجرد كونه بيولوجيًا خلق ذكرا وليس أنثى، يعلم الطرفان ان المنظومة أقوى وأقسى من ان تواجه وتغير تنتفض لنصرة المرأة، منظومة تعتبر فيها هذه الأصوات المزعجة في الخلفية معيقات ثانوية للمسيرة الوطنية الكبيرة الناجحة. لذلك فإن القيادي الحزبي سيكمل مسيرته بلا خوف، ويترشح من جديد لمنصب جديد، ومدير المدرسة ينتقل للتفتيش، وذلك الموظف يترقى بالسلم الوظيفي وتلك الجمعية ومديرها ستكمل النضال نحو المساواة والعدل، مع متطوعات وموظفات أخريات من بلاد العالم فلا بأس، فالقافلة تسير، أليس كذلك؟
التحرش بمجتمعنا موجود، وليس "ثقافة التحرش"، في الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية والسلطات المحلية وجهاز التعليم وفي كثير من المواقع في سوق العمل، واقع مخز وأليم، ويؤذي فتيات ونساء كثيرات في الحيّز العام، يعيق تقدمهن المهني، والدراسي ويؤثر على الحياة العاطفية والأسرية لكل امرأة، ويمس ايضاً بالعلاقات السليمة الصحية والصحيحة بين الجنسين.
نشر الشهادات التي تضم أسماء المتهمين بالتحرش والضحايا هو خطوة جريئة جداً، وانا اعتمد واثق بجمعية "السوار" ان تكون قد أخذت كل التدابير اللازمة لحماية النساء والالتزام برغباتهن. الاتهامات ان الجمعية تستغل الضحايا لتصفية حسابات سياسية او حزبية باطل، وجمعية "السوار" غير ملزمة بنشر رد المتهمين، كأننا في الجمعيات النسوية نملك أدوات قضائية للتحكيم وأدوات صحافية للتغطية العادلة المتوازنة هذا ليس دورنا، ولن نكون هناك ابداً.
وقد شاهدنا القدرات والنفوذ والبيانات والمقالات والمنصات التي أعطيت لهؤلاء للرد في عصر الشبكات والتواصل المباشر. أولئك الرجال ليسوا بحاجة لمنشور او تصريح من الجمعيات النسوية يعطي الرأي والرأي الاخر. لسنا في قناة الجزيرة اعزائي.
ايضًا، اتهام جمعية "نساء ضد العنف" مثلا بالانحياز والرد في حالة كان المشتبه به تجمعياً وليس جبهوياً لا يستحق الرد عليه، فمن يتابع مواقف "نساء ضد العنف" من أقرب أعضاء الجبهة حين اتهموا بالعنف والإساءة يعلم ان اتخاذ المواقف الجريئة والشجاعة ضد المقربين سياسياً أصعب بكثير من التصدي لنشطاء من الطرف السياسي الأبعد.
لجوء بعض المتهمين لنظرية المؤامرة الكونية ضد قيادات الشعب الفلسطيني، ما هي إلا مسرحية مستهزئة بعقول البشر، أنهم يتهمون الجمعيات النسوية بتهديد الخطاب الوطني واستهداف هاماته وقياداته الشجاعة الأبية، وطبعا بتمويل اجنبي حاقد..
ان المتهم بلمس جسد متطوعة عنوة والتحرش بها وخرج ليخطب عن حرية الفرد في دولة الاستعمار هو المنافق وهو التهديد الحقيقي على شعب يقاوم القمع والاحتلال والاغتصاب والتمييز. فقد سئمنا تلك البيانات الرنانة، فكل عيب في مجتمعنا نسلط الضوء عليه، نتهم نحن بملاحقة "هامات" هذا الشعب.. فان تحدثنا عن العنف ضد النساء اتهمنا بتدمير النسيج الأسري والمجتمعي، وإن سلطنا الضوء على المحاكم الدينية ومستوى الذكورية فيها بتنا نهدد الديانات و استقلالنا الثقافي الديني في ظل الكيان الصهيوني وان شجعنا النساء على التصويت والتأثير نكون خائنات للوطن بتمويل اجنبي ينخر في هيكلنا العظمي، وان تبنت النساء المعتدى عليهن خطاب القيادة التي لا تثق بالشرطة الإسرائيلية وتتظاهر صارخة ضدها في المفارق وامام الكاميرات ، يطالب نفس النشطاء المتهمين بالتحرش الضحايا بالتوجه وتقديم شكاوى، يعني اذا كان هو ضحية الشرطة وعنفها يصبح قائدًا مغوارًا ومحاربًا في جيش الحرية وعندما تقول الضحية لا اريد منظومة العدل الإسرائيلية فهي الكاذبة الملفقة وهي المتهمة .. باختصار "حلو عنا عاد".. من المزاودات والتخويانات والمؤامرات.
انا صدقاً ، في كل نقاشاتي مع كل من يعرفني ممن أثق بهم نسوياً واخلاقياً لم نجد معا بعد ، منظومة عادلة فيها يتوفر للرجل المتهم بالتحرش ان يدافع عن نفسه، فلو كان هناك احتمال واحد بالألف ان يكون بريئاً يجب ان يسمع الرجل ويعطى مجالًا للدفاع والتوضيح. فان الهجوم المرتد والتهديد والحرب الإعلامية لا تفيد أيا من الطرفين. ولست أتحدث عن عضو الكنيست الذي تعامل مع الشهادة المنشورة بطريقه التأسف، التوضيح وتحمل المسؤولية، هذا مستوى آخر من النضوج السياسي وردًا مقبولًا احترمه واتقبله وعلى المرأة نفسها ان تقرر ان تصفح وتقبل الأسف ام لا.
ولكني ما زلت ابحث عن وسيلة لإعطاء المتهم الذي ينكر جملة وتفصيلًا اي حادثة موثقة. وهو مُصر وملح ان شيئا لم يحدث ولم يغير موقفه ابداً، ماذا نفعل هنا؟
يخجلني عمومًا تعامل النشطاء العرب مع الأجنبيات المتضامنات اللواتي يتركن حياتهن وبلادهن باحثات عن العدل والمساهمة في قضايانا ونضالاتنا المختلفة ويرجعن الى بلادهن مع احساس الاستغلال والقرف والاشمئزاز من الرجل الفلسطيني الذي يستبيح جسدهن باسم النضال المشترك، والتضامن والإيمان بالقيم المشتركة. تتعرض النساء العربيات للتحرش للأسف ولكن الرجل العربي الذي وصل إلى مكانة مرموقة ويمثل شريحة من الرجال الفلسطينيين ويعتز بمسيرته بكل لغات العالم يستسهل ارسال أصابعه ونظراته الى اجساد نساء اجنبيات يتطوعن في بلاده ويستبيح الحيز الخاص بهن اكثر بكثير من بنات بلده وهو يعرف ان آثار الاجنبيه وقصتها ستختفي بسرعة بينما بنت بلده ستبقى هنا ولكنها تفضل الصمت للأبد.
هذا العهر وهذا النفاق يضر بالمدى البعيد بِنَا جميعاً ويمس بقضيتنا العادلة، ويثبت مره اخرى ان القيم السياسية والأجندات الحزبية والنضالات الوطنية لم ولن تنجح ما دامت قيادتنا أفكارها وتصرفاتها وأفعالها ونواياها وهواجسها ذكورية بحته.
نقطة وسطر جديد
[email protected]
أضف تعليق