تكشف معطيات امتحانات الـ بيزا لهذا العام تراجع التعليم العربي بـ 15 سنة ونتائج تلاميذنا في قاع قائمة الـ 79 دولة المشاركة فيها جنبا إلى جنب مع نتائج تلاميذ بنما واندونيسيا والمغرب وهي أقل من نتائج تلاميذ الأردن ولبنان رغم الضائقة الاقتصادية في هذين البلدين العربيين. في القراءة على سبيل المثال انخفض معدل نتائج التلاميذ العرب بـ 29 نقطة مقارنة بامتحان 2015 وأقل بـ 362 نقطة عن المعدل العام في إسرائيل من هذه الناحية: 470 نقطة. وهكذا في الرياضيات تراجع المعدل بـ 12 نقطة( 375 نقطة عند التلميذ العربي مقابل463 عند نظيره اليهودي) أما في العلوم فتراجع معدلنا بـ 26 نقطة(375 نقطة عند التلميذ العربي مقابل 462 نقطة لدى نظيره اليهودي) وفي كل واحد من هذه الامتحانات تتجاوز نسبة الراسبين العرب الـ 50%. تعبّر نتائج " البيزا " ( في الرياضيات والعلوم ولغة الأم) عن واقع المدرسة العربية لأن هذا هو الحال مع مؤشرات أخرى منها نتائج امتحانات أخرى( الـ ميتساف مثلا) عن أزمة بنيوية متفاقمة تلازم التعليم العربي نتيجة عدة عوامل متراكمة أهمها التمييز الرسمي في تحديد الأهداف والأدوات والوسائل( قانون التعليم وأهداف من عام 1953) وبالتالي في الموارد واختيار المعلمين والمديرين والمفتشين وإدارة الجهاز التعليمي العربي ومدى اهتمام الأهالي الخ. على غرار باحثين آخرين عربا ويهودا سبق وكشف المؤرخ الإسرائيلي هليل كوهن في كتابه " عرب طيبون " استنادا لوثائق تاريخية غدة النكبة وقيام إسرائيل أن إسرائيل قرّرت استخدام التعليم بالأساس لترويض وأسرلة المواطنين العرب الفلسطينيين المتبقين في وطنهم بـ محو ذاكرة ورواية أصليتين واستبدالهما بإثنتين إسرائيليتين بالإضافة لوسائل أخرى كـ الحكم العسكري والإعلام وغيره. من وقتها يخضع جهاز التعليم العربي لـ الضبط والسيطرة بالمضامين المختارة وتعيين المعلمين والمديرين وبالتفتيش الصارم قبل عقد ونيف اعترفت وزيرة التعليم بلسانها بالصوت والصورة أن المخابرات ما زالت تلعب دورا في التعيينات. والسؤال الأهم هل تحررنا من كل ذلك بعد 71 عاما ؟؟
للتذكير تفحص هذه الامتحانات العالمية مرة كل ثلاث سنوات قدرات ومهارات الطلاب في عدة قضايا جوهرية تتعلق بـ الوعي القرائي،الوعي التفكيري والحسابي والوعي العلمي والوعي الثقافي الشامل- العالمي. والسؤال الأول الأساسي هل تربي مدارسنا وبيوتنا على تربية نقدية ولتنمية صنوف الوعي هذه كي يمتحن تلاميذنا بها ؟ هل نولي الاهتمام للتربية كما للتعليم وهل يحترم الأب والأم الكتاب أم استبدلاه بالهاتف الذكي وحل الفيسبوك مكان الرواية ؟ هل تحملنا مسؤولية الفضيحة العلنية المتكررة في " الغش بامتحانات " البجروت "؟
إن كثرة طلاب وخريجي كليات الطب في شرق أوروبا لا تعكس حقيقة تطور جهاز التعليم العربي بل ربما تعكس أزمته. وزارة المعارف أعلنت اليوم عن حلها للفضيحة بتشكيل لجنة !
وهذه نكتة جديدة أولا لأن تدني النتائج بدأ منذ عقدين وثانيا كونها طريقا سريعا لـ ّطي الملف أما مدير المعارف العربية عبد الله خطيب فلم يعترف بفشل جهاز التعليم العربي ولم ينتقد حتى التمييز الرسمي الإسرائيلي بحق مئات آلاف الطلاب العرب ولو بكلمة رفع عتب. هذا الموضوع يرتبط بمحتويات مؤتمر الكنيست أمس عن الفوارق بين المركز وبين الأطراف والمناطق الريفية وكذلك الفجوات الكبيرة في كل شيء بين اليهود والعرب. بالسطر الأخير يستدل من متابعة ما يجري أن أدوات التعليم المتعمدة عندنا قد شاخت وتكلست والتغيير في النتائج يحتاج بالضرورة لاستراتيجية تعليم جديدة تستبدل والإيداع بـ الإبداع وتغيير طريقة حشو المعلومات وحفظها لتطوير قدرات وإثراء.
حان الوقت أن يكون ملف التربية والتعليم العربي في صدارة أولويات " القطرية " و " المشتركة " خاصة وأنه مرتبط بمجمل مسيرتنا وبمستقبلنا وبهويتنا وبموضوع العنف والجريمة لا سيما أن ضعف التربية للقيم وفقدان التربية للهوية الوطنية يجعل الخريجين غير متصالحين مع أنفسهم وأقل توازنا داخليا مما يقربهم لـ منزلقات العنف والجريمة. يبدو أن التعليم العربي سيشهد تغييرا حقيقيا من النواحي المذكورة فقط عندما يحظى بـ " حكم ذاتي " يكفل رؤية تعليمية تربوية حديثة وكفل الرسول قبل الرسالة ويؤمّن الموارد المادية والروحية المستحقة والمنصوص فيها في القانون المحلي والدولي بما يتعلق بالحق بالاحتفاظ بلغة الأم والرواية التاريخية والتراث الخ.
[email protected]
أضف تعليق