أعلنت وزارة الإسكان الإسرائيلية، أول من أمس، عن إنعاش خطة لبناء ١١ ألف وحدة استيطانية في مطار قلنديا، شمال القدس المحتلة منذ العام ١٩٦٧.
المخطط الذي تم وقفه بضغوط سياسية خاصة من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما والاتحاد الأوروبي، وُضع على الطاولة من جديد للبدء بتنفيذه في ظل الهدايا الأميركية المجانية لسلطات الاحتلال.
تصريحات وزير الخارجية الأميركي مايكل بمبيو باعتبار أن المستوطنات قانونية ولا تخالف القانون الدولي أعطت الضوء الأخضر لحكومة نتنياهو للإسراع بتكثيف الاستيطان بكل السبل الممكنة، بما في ذلك إعادة مشاريع سابقة كانت أوقفتها بسبب الضغوط العالمية، ومنها على سبيل المثال مشروع (E1)، الذي يمتد في منطقة عناتا شمال القدس وحتى حدود البحر الميت. وهو المشروع الذي سيؤدي فعلاً إلى إعدام بصيص الأمل الأخير عند الواهمين بحل الدولتين، لأن ذلك يعني فعلياً تقسيم الضفة الغربية إلى كانتونات لا واصل جغرافياً بينها سوى مستوطنات الاحتلال!!!
أيضاً سلطات الاحتلال بدأت تتحدث عن بناء حي جديد جنوب القدس والمسمى (جفعات همتوس).
الإسرائيليون يتحدثون عن بناء آلاف الوحدات في جميع المستوطنات بما فيها البؤر الاستيطانية، التي كانت المحاكم الإسرائيلية تدعي أنها غير مرخصة، دون التصريح بأنها غير قانونية، وبالتالي فإن تحويل هذه البؤر إلى مستوطنات قانونية يعني مضاعفة عدد المستوطنات خلال السنوات القادمة، ويعني أيضاً نقل مئات آلاف المستوطنين إلى المستوطنات الجديدة.
بمعنى آخر، هو ضوء أخضر لضم مناطق "ج"، على اعتبار أن الاستيطان يتركز في هذه المنطقة، أي أن ٧٠٪ من مساحة الضفة الغربية ستكون من نصيب المستوطنات، وهذا ضم فعلي سواء تم الإعلان عنه بتشريع إسرائيلي أو بقي الوضع على ما هو عليه.
في لقاء مع صحيفة (إسرائيل اليوم) اليمينية يعيد وزير الخارجية الأميركي التأكيد على أن قرار اعتبار المستوطنات قانونية اتخذ بعد مشاورات في الإدارة الأميركية على أعلى المستويات، وأنه يأتي ضمن المخطط الأميركي لفرض الرؤية الأميركية على الحل السياسي في المنطقة.
ولدى سؤاله إن كان هذا سيؤثر على المسيرة السياسية مع الفلسطينيين، يهذي مايك بمبيو مؤكداً بل ذلك سيسهل على الجانبين البدء في محادثات سياسية، لأن واشنطن تعترف بما هو قائم على أرض الواقع وليس العكس.
الإدارة الأميركية أيضاً اتخذت خطوة جديدة لدعم الاستيطان في الأراضي الفلسطينية من خلال الإعلان عن اتفاق تعاون علمي بين إسرائيل والولايات المتحدة قريباً يشمل المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية وهضبة الجولان المحتل.
هذا الاتفاق سيسمح بالتعاون بين الجامعات والمؤسسات الأكاديمية الأميركية ونظيراتها الإسرائيلية بما فيها تلك المقامة في المستوطنات في الضفة والجولان.
هذا يعني أن جامعة أرئيل المقامة على أراض فلسطينية مصادرة ومنهوبة من أهالي نابلس وقلقيلية وسلفيت سيتم الاعتراف بها أميركياً رغم المعارضة العالمية بما فيها جامعات ومؤسسات أكاديمية أميركية.
الاتفاق العلمي الجديد الذي يشمل المستوطنات سيكون بديلاً لمذكرة التفاهم التي وقعت في العام ١٩٧٢ بين الولايات المتحدة وإسرائيل، التي وقعها في حينه رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل اسحق رابين الذي كان يشغل سفير إسرائيل في واشنطن، علماً أن اتفاق العام ١٩٧٢ ينص على عدم شمل الاتفاق لأي مناطق جغرافية وقعت تحت إدارة الحكومة الإسرائيلية بعد العام ١٩٦٧، يعني بصراحة الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة.
إذن، هو مخطط متكامل، يجري تنفيذه على مراحل، من أجل خلق الأمر الواقع وليس الاعتراف بالأمر الواقع..
بدأ المسلسل منذ اللحظة التي تم فيها الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال ثم نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها، ثم وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» ثم الاعتراف بضم إسرائيل لهضبة الجولان ثم اعتبار المستوطنات التي يصفها العالم غير شرعية ومخالفة للقانون الدولي، بأنها واقع قانوني تمهيداً لإعلان صفقة القرن التي تأجلت بسبب الأوضاع الداخلية الإسرائيلية، وعدم قدرة الأحزاب الإسرائيلية على تشكيل حكومة لها أغلبية في الكنيست.
التغول الاستيطاني في الضفة الغربية في حال استمراره على الشكل الذي نراه اليوم يعني أن سلطات الاحتلال حذفت من قاموسها السياسي كلمة سلام أو مفاوضات، وهل لدى الإدارة الأميركية شك في أنه يوجد أي فلسطيني يمكن له القبول بسياسة الأمر الواقع وتعرية الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينيين.
لعل الأرقام التي نشرتها منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية توضح خطورة الوضع، إذ أعلنت أن حكومة الاحتلال صادقت العام الجاري على بناء ٦٩٨٩ وحدة استيطانية، أي ضعف عدد الوحدات الاستيطانية في السنوات الثلاث السابقة، حيث كان معدل البناء السنوي ٣٦٣٥ وحدة استيطانية، ويقيم المستوطنون في ١٢٧ مستوطنة و١١٦ بؤرة استيطانية في الضفة الغربية و١٥ مستوطنة مقامة على أراضي القدس المحتلة.
هذا هو الواقع وهذه هي الأرقام التي تحدث عن نفسها، التي أطلقت الرصاصة الأميركية الأخيرة على جثة عملية السلام.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]