إنه الملك "بيبي" الذي هيمن على الحياة السياسية في دولة الاحتلال لأكثر من عقد من الزمن، وبوصفه أكثر رؤساء الحكومات الإسرائيلية في منصب رئاسة الحكومة، توفر لديه العديد من الصفات والمناقب التي أهّلته لهذا العرش، فقد أمسك بمقاليد السلطة ومفاتيحها بذكاء غير مسبوق وتحدٍ مكّنه من إحكام قبضته على تفاصيل الحياة السياسية والحزبية، وفي الكثير من الأحيان، لم يكتف برئاسة الحكومة، بل أمسك بعدد آخر من الوزارات من بينها الدفاع والخارجية والصحة والزراعة، في الوقت الراهن، ما زال ممسكاً بأربع وزارات تضاف إلى رئاسة الحكومة. لوائح الاتهام التي تم توجيهها له، لا تكشف فقط عن مدى فساد الحياة السياسية التي كان يقودها، بل وأيضاً علاقاته الوطيدة بمؤسسات الأعمال والبنوك إضافة إلى الإعلام.
وبالرغم من ثقافة المؤامرات التي تحيط بالعروش والملوك، إلاّ ان هذه الثقافة بالكاد لامست تجربة عرش "بيبي" فقد هيمن على قوى اليمين، واليمين الديني، واليمين المتطرف، واليمين الليبرالي، وتمكن من جمع شتات اليمين للوقوف خلفه، وليس الوقوف معه، واستثمره خير استثمار للدفاع عن العرش. اختلفت قوى هذا اليمين فيما بينها، لكنها توحّدت خلف عرش نتنياهو باستثناء ألاعيب صغيرة، تمكن "الملك" من محاصرتها وحال دون أن تحدث شرخاً كبيراً في اتحاد اليمين على مختلف صنوفه وألوانه ومراجعه.
هذا "الملك"، المفوّه والحذق والذكي والفصيح لساناً بالإنجليزية أفضل من العبرية، صاحب الخطاب الموجّه والمتلوّن، هذا "الملك"، راهن على نفسه ومصادر قوته المشار إليها، بوصفه "الملك" الذي لا يقهر، تُوجّه له لوائح اتهام، إن تم تجريمه بسببها ستلحق به العار، لكنه وقبل ذلك، رد على اللوائح بانقلابه عليها وعلى القضاء والمستشار القضائي، وبينما يعتبر هذا التوجيه للوائح انقلاباً، افتعل انقلاباً عملياً على هذه المؤسسات وزاد على ذلك، مُطالباً بالتحقيق مع المحققين. في بلاد أخرى، تفيد هذه التهمة للمحققين، جناية تستوجب الاستجواب والملاحقة القضائية، لكن أحداً لم يفكر في ذلك، باعتبار أن الملك فوق كل الملاحقات بسبب تفوهاته وردود فعله الابتزازية.
وبينما نجح نتنياهو في توحيد اليمين، وكذلك حزبه "الليكود" من خلفه، إلاّ أن الإنجاز في هذا السياق، نجاحُه في قَسم المجتمع الإسرائيلي، ليس فقط أيديولوجياً واجتماعياً وإثنياً قومياً، ولكنه انقسام من نوع جديد، مع وضد، مع نتنياهو وضد نتنياهو، انقسام الشارع حول عزله إثر توجيه لوائح الاتهام، ثم الدعوة إلى حشد حاشد مساء أمس، يقوده "الليكود" للوقوف من خلف تاج "الملك"، هو الانقسام الأبرز هذه الأيام في الحالة الإسرائيلية.
ورغم كل المناقب والألقاب التي أشرنا إليها، إلاّ أن كل ذلك قد لا ينفع "الملك" بالبقاء على العرش، إلاّ من سلاح واحد تبقّى له، وهو حالة الانقسام على شخصه، والتي بدأت داخل "الليكود"، كما في المجتمع. حرب الشوارع هي السياسة التي ربما تمكن نتنياهو من إسقاط رهان الآخرين بإسقاطه. التخوف من محاذير هذا الانقسام قد يدفع للتسليم كما يعتبر الأفضلَ لإسرائيل. بقاء نتنياهو خير من انقسام عمودي وشرخ يزيد من حدّة الانقسامات الأيديولوجية والقومية والطائفية في الدولة العبرية، وإذا كانت هذه الانقسامات، تشكل خطراً على الدولة العبرية، فهي في الوقت ذاته قد تكون رهان نتنياهو على البقاء على كرسي العرش في "مملكة بيبي"!
[email protected]
أضف تعليق