كل شيء يبدأ بالتربية وينتهي عندها، وقد صرّح أحد المسئولين في البلدية أمامنا، بأن تكلفة إزالة الأوساخ تكلّف البلدية سنويًّا، 17 مليون شيكل وأكثر، يتبين من هذا المبلغ أن حوالي 4 مليون شيكل، يُصرف على جمع أغصان الشجر التي قصّها المواطن، وركنها على الرصيف المحاذي لبيته، دون أن يتكلّف بمهاتفة القسم المختص في البلدية، منطلقًا من فرضيّة اعتاد وتعوّد عليها، بأن الرّافعة ستمر يومًا ما بجانب بيته.
يعيش المواطنون الذين يشكّلون شريحة لا بأس بها، على الاستهتار بالممتلكات ونظافة بيئتهم، ووفقًا للمعلومات التي حصلنا عليها، نقول وبدون مبالغة، بأن بلدنا يعتبَر أحد أكبر منتجي النفايات، وإذا جاز لنا الغوص بالأسباب، سنجد أن المواطن هو السبب الأول بهذا "الإنجاز" السّلبي!!...
شريحة أخرى تتسلل في جنح الليل الدّامس حاملة الوسخ والنفايات، وتلقيها في أماكن غير مُعدّة لذلك، وفي صباح اليوم التالي تشاهد بأم عينكَ انتشار الأوساخ في كافة أرجاء المدينة، وخاصة في المنطقة الصناعية، وعلى جنب الأراضي الزراعيّة، وفي عمق الأحراش، وأكثر ما يستفزّك قيام مواطن بأعمال صيانة في منزله، واضعًا المواد الصّلبة على الرصيف المحاذي لبيته، منتظرًا قدوم شاحنة البلدية، على أمل أن تمر يومًا ما.
كل شيء يبدأ من الصّغَر وينتهي في الكِبَر، وللأسف الشديد نحن نمر بأزمة تربية وأخلاقية، تبدأ من البيت وتنتهي في أروقة المدارس، وإذا سُمِحَ أن أقصّ عليكم مشهدًا يوميًّا، فإني من هواة رياضة السير على الأقدام، ويوميًّا أمُرُّ بمستوطنة "عادي" جارتنا، باتجاه غابة نرمي بها أعصابنا ونلاحظ كيف تُحترم محطة الحافلات الخشبية، وعلى بُعد بضعة أمتار، وفي الحي الأول من بلدنا، هُمّشَت محطّة الحافلات، بأيدي أبنائنا، لتتسرّب مياه الأمطار من سقفها، وتحوّلت إلى محطة عشقٍ، "للمخطوطات العشقية"، المكتوبة على جدار المحطة...
... وتسأل نفسكَ ما الفرق بيننا وبينهم؟! لتكتشف بأن كل شيء يبدأ بالتربية وينتهي عندها، وإن جاز لنا أن نسأل: لماذا ضاعت واختفت من فعّاليات مدارسنا حملات النظافة التطوّعيّة؟!! وأصبحت كلمة "تطوّع" مستهجنة في فكر أبنائنا، ليرمي هؤلاء كرة المسئولية في مرمى البلدية.
أمة ما زالت تتحدّث عن كومة وسخ وحاوية كسّرها عاملو المقاول، ستبقى هذه الأمة تدور في الدوائر المفرغة من الذّوق الاجتماعي والشخصي، فإنها لن تسمو إلى مرام التطور وعلياء الحداثة، وأمة لا ترى إلاّ الرصيف المقابل بيتها، دون أن تكترث لحيها أو بلدها، لا بد أن تبقى محاصرة بالخيبة، والأوساخ ليست كارثة بيئية، أو قدرًا من السماء، بل إنها نابعة من جذور تربية غير سليمة، التي أنبتت أشجارًا أغصانها عارية من أوراق القيم.
[email protected]
أضف تعليق