تثير احتجاجات أو ثورة جيراننا وأهلنا في لبنان جدلا جميلا لدينا حول ماهيتها وجماليتها واحتمالاتها هنا أيضا وأخذها بعضنا لزوايا نظر مختلفة وأحيانا غير لطيفة وهي تقيس طول التنورة وكم القميص رغم نظافتها من التحرشات بعكس ما حرى في بلاد أخرى. لكن المؤكد أن هناك ما يمكن تعلمه منها بما يتعلق بالتنظيم والأدوات رغم اختلاف أوجه المقارنة موضوعيا. في جرد حساب أولي لاحتجاجاتنا المهمة والمحترمة على استشراء الجريمة وتواطؤ الشرطة عليها لابد من التنويه لـ خطورة استمرار تقاليد " الفزعة " من جهة والتعويل على تصريحات مسؤولين إسرائيليين بـ " ضرورة التغيير ". حتى تكون محاولة جدية وعميقة لتغيير الواقع المأزوم الراهن ويهدد المستقبل لا يمكن التقدم نحو مكاسب فعلية بدون منظومة تعبئة وحشد وتنظيم للاحتجاج لضمان نجاعته وديمومته. لجنة المتابعة العليا بعد نصف قرن تقريبا على تأسيسها ورغم كثرة الأحزاب الفاعلة وتجاربها الغنية ما زالت بياناتها تناشد الجمهور لـ " إنجاح المظاهرة " ببيانات تقليدية استخدمت بستينيات القرن الماضي.
رغم كثرة التصريحات العالية يبدو أن المسؤولين لا يملكون بعد خطة متكاملة في هذا المضمار، ورسميا تقول المتابعة والمشتركة والقطرية أنها تعمل في سرب واحد تحت خيمة المتابعة لكن على الأرض تجد أحيانا كل جهة تعمل على انفراد ودون برنامج واضح وممول. يكفي أن تصغي لتصريحات رؤساء أطرنا القيادية حتى تستنتج ذلك بل ترى أن " الأنا " والمنافسات وحتى الخلافات الشخصية( بين رفاق الحزب الواحد أحيانا) ما زالت حاضرة وتعيق المسيرة رغم أن المطروح هو هدف استراتيجي أعلى لكل المجتمع العربي فهذا يتحدث بلغة مدنية فيرد عليه " الشقيق المنافس " بلغة قومية أو إسلامية.. بخلاف مواقفه هو نفسه قبل سنوات وخلف الكواليس المخفي أعظم أحيانا. وتتجلى مجددا الإشكالية حتى داخل " المشتركة " أحيانا حيال قضية التعامل مع مساعي تشكيل غانتس لحكومة محتملة فالرباعية القيادية تبدي مواقف متباينة حيال قضايا جوهرية تتجاوز التنوع والتعددية.
لا بأس من اعتبارات الذات ولا غرو أن تشهد السياسة خصومات شخصية الطابع أحيانا لكن هناك " أوقات في الحياة للتمزيق وهناك أوقات لـ الترقيع على الأقل كما يقول الأديب العالمي باولو كويلو في روايته " الزهير". " الإيغو " يعيق وربما يفشل مجهود الجماعة لكنه أيضا يوقع بصاحبه حينما لا يروضه فيشب عن الطوق ويحوله لضحية نفسه.
من أجل زيادة احتمالات نجاح الاحتجاج الشعبي الذي يشكل فرصة تاريخية نادرة لابد من ضمان استمراريته كي يبقى القادة يفاوضون ويتحركون بقوة حتى تبادر الحكومة لتغيير السياسات وهذا يحتاج الإفلات من الأطر والأدوات التقليدية المألوفة. بعد مجد الكروم والرملة والناصرة وغيرها يتجلى من جديد الطاقة الحقيقية المهدورة في النساء والشباب والطلاب ممن يبادرون بشكل ذاتي لصب مضامين في المظاهرات والاعتصامات واستحضار شعارات ولافتات وفعاليات ثقافية وفنية( مجد الكروم كـ مثال ) تضاعف قدرة اجتذاب الجمهور للمشاركة في الاحتجاج. المصلحة العليا تقتضي إشراك هذه القطاعات الهامة في التخطيط والقيادة من خلال بناء مجلس أعلى لمكافحة الجريمة يشمل كل الأطر التمثيلية تحت خيمة " المتابعة ". مثل هذا المجلس الجامع قادر على ابتكار أساليب تعبئة، احتجاج وجذب للجمهور الواسع بشكل واسع ومتواصل ضمن خطة تشارك فيها كل الخبرات والطاقات والقيادات المعنية. عندئذ ستكون الفعاليات القادمة شبيهة بمظاهرات مجد الكروم لا مظاهرة الناصرة ونحن لم نبلغ نهاية الطريق ولا منتصفها بل ما زلنا في بدايتها والمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل غني وطاقاته الكامنة كبيرة ومرشحة لأن تتجلى وتبدع بحال تنظيمها واستثمارها بشكل مدروس. بدون ذلك وبحال لم نحرز نحاخا في هذه المعركة سنجد ذاتنا في حالة اصعب مما كنا فيه ازاء مسانقع الجريمة والعنف الذي يهدد كل مساحاتنا الخضراء لانه خطر على المناعة الذاتية والمخزون المعنوي وهو اهم ما نملك.
[email protected]
أضف تعليق