لبنان الذي أعطى للبشرية أجمل ما فيه من صوت وصورة قادر أن يعطي اليوم أجمل ثورة وقادر أن يحمي ثورته من الألغام
*السفير الروسي في لبنان قبل أسبوعين :" ما يحصل في أزمة العملة الأجنبية خطّة أميركية لإحداث الفوضى في لبنان هدفها ضرب حزب الله في لبنان ومِن خلفه خصوم أميركا في المنطقة".
حسين سويطي
بضربة معلّم وخلال ساعات قليلة لم تزد عن ال24 , تمكن أمراء الحرب وإقطاعيو السياسة والإعلام في لبنان من تحويل الغضب العارم والصراخ الشعبي 180 درجة وربما أكثر. إذ تم تفكيك مفاعيل الغضب الشعبي العارم التي انطلقت بسبب الحرائق التي اجتاحت البلد وحوّلت أحراشه وغاباته وأرزه إلى أعمدة سوداء محروقة لا تقوى على مواجهة الرياح الآتية قريباً وليست بالضرورة الطبيعيىة والموسمية منها, وتم نزول الآلاف الى ساحات بيروت والمدن الأخرى ضد تصريح لوزير قال كاشفًا إن الحكومة بصدد دراسة فرض ضرائب جديدة ومنها ضريبة على تطبيق الواتس آب..وكانت هذه هي القشة التي كسرت ظهر الجمل. فمَن منّا يذكر اليوم حرائق لبنان خلال الأسبوع الماضي ومَن يذكر فضيحة طائرات الإطفاء التي تستحق أن تطيّر حكومة..ومَن يذكر دموع النساء اللبنانيات على الشاشات وهن يستغثن! لا أحد.. نسي اللبنانيون كل ذلك ونزلوا لى الشوارع يهتفون ويرقصون ويغنّون ويدخنون النرجيلة.. إنها ثورة الجياع..نعم قد تكون كذلك. وأنا متضامن حتى النخاع مع الشعب اللبناني الذي أعرفه وأحبه. متضامن مع فقرائه ومساكينه ومع مثقفيه وفنانيه الثوريين والتقدميين ومع مقاومته الوطنية التي أخرجت المحتل والتكفيري.ولكن..
قبل أن تضيع الثورة مثلما ضاعت ثورة الجياع في تونس ومصر, اسمحوا لي أن أعود وأطرح سؤالي الإستنكاري الذي طرحته في فترة " ثورات الربيع العربي" تلك, مَن وما هي وماهية القوى المحركة للثورة؟ فبطبيعة الحال هذه القوى ستكون راسمة لأهداف ثورتها وضابطة لإيقاع تحركها.كنت على يقين آنذاك أن هذه الثورات كانت مستجلبة ومفتعلة وأنها انفجرت ليس نتيجة وضع ثوري حسب ما تعلمنا علوم الإجتماع والنظريات الفلسفية والسياسية وتجربة الثورات العالمية. بل جاءت نتيجة مخطط وضعته جهات عالمية فاعلة رسمت الخطط والخط البياني لهذه الثورات وبادوات داخلية سواء كانت تابعة للمجتمع المدني بتسمياته المختلفة أم لجهات سياسية منظمة لها برامجها وأجنداتها وكان لهذه الثورات شعارات وبرامج سياسية واجتماعية لا غبارعليها وكانت قادرة على استقطاب الفئات والطبقات المتضررة في مجتمعات هذه الدول, خاصة في كل من مصر وتونس.في ليبيا لم تحمل "الثورة" شعارات مطلبية اقتصادية واجتماعية فعلية وفي سوريا كانت البداية بشعارات مطلبية سياسية واجتماعية محقة اضطر الرئيس بشار الأسد نفسه أن يعلن موافقته عليها في خطابه في 30 آذار 2011 لكن سرعان ما انكشفت "طبّة" هذه الثورة وتحولت الى مواجهات وتدخلات خارجية عسكرية دامية لا يزال الشعب السوري ينكوي بها إلى اليوم.
ولا أريد هنا أن اتوسع كثيراً أو أن أذهب بعيدًا في تشريح الحاصل على الساحة اللبنانية . ولنتفق أولاً أن التحرك الشعبي هو الطاغي وهو البارز في هذه الهبّة الثورية والإنتفاضة.ومع ذلك لا بد من قراءة متأنية للمشهد. فقبل اسبوعين فقط من اندلاع هذه الإنتفاضة وبالتحديد يوم الأربعاء 9 تشرين الأول 2019, نشرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية مقابلة مع السفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسبيكين عبر فيها عن "عدم تفاؤله" من الأوضاع في لبنان وقال محذرًا من خطر انفحار الوضع اللبناني. "فهو، وإن كان يدرك تماماً حجم الأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد، المتراكمة منذ سنوات طويلة، إلّا أنه يصف ما يحصل في أزمة العملة الأجنبية والشروط السياسية الإقتصادية على البلاد، بالخطّة الأميركية لإحداث الفوضى في لبنان. والفوضى، كما يريدها الأميركيون، هدفها ضرب حزب الله في لبنان ومِن خلفه خصوم أميركا في المنطقة. ويعطي مثلاً على ذلك، أن مجموعة العمل لأجل لبنان، والمُشَكَّلة من سفراء الدول الخمس الكبرى، كانت دائماً تضع في بندها الأول، مبدأ الحفاظ على الاستقرار الداخلي والوضع الأمني. لكنّه أخيراً، بات يشعر بأن الأميركيين يهملون هذا المبدأ، وهم في خطّتهم التي توصل إلى انهيار الوضع الاقتصادي وحصول غليان شعبي، إنّما يهددون استقرار لبنان في حربهم لتطويع خصوم أميركا، بدل الحفاظ على هذا البلد وحمايته.وعلى سؤال ما اذا كانت ستتأثر المصالح الأميركية في حال انهيار لبنان قال زاسبيكين ردّ السؤال بسؤال: في حال الإنهيار الاقتصادي وإنهيار الدولة، ما هي الجهة الوحيدة التي ستحافظ على تماسكها؟ ثم يجيب السفير على نفسه: إنه "حزب الله". من هنا، لم يتوقّع الدبلوماسي المخضرم ألّا يغامر الأميركيون إلى هذا الحدّ، وسيحاولون إبقاء البلاد تحت الضغط والأزمة، والثبات على شفير الانفجار".(رابط للمقابلة https://www.al-akhbar.com/Politics/277558/)
لنعد إلى الواقع. ما مِن أحد يشكك أو يقلل من أهمية المطالب التي تطرحها هذا الإنتفاضة – الثورة. لكن السؤال هل القوى المنظمة لهذا التحرك قادرة على ان تنقله الى حيث يريد الناس اللبنانيون أم ان الركوب على الموجة والتحرك الذي بدأه حزب جعجع"القوات اللبنانية – السعودية الإسرائيلية" سيكون قادرًا على حرف المسار والإنتقال بالحراك الى انقسام 14 و8 جديد لكن هذه المرة سيكون بتواريخ جديدة وقوى جديدة؟ الأيام القادمة كفيلة ان تعطينا الإجابات لكن ليس قبل ان نشير الى ما قدمه حزب الله من ضمانات قادرة ان تمنع جعجع من تحقيق الالتفاف على الثورة. فقول السيد نصرالله " ذا جاء وقت نزول حزب الله الى الشارع ستجدوننا جميعا في الشارع وسنغير كل المعادلات, واذا نزلنا الى الشارع لا نستطيع ان نخرج قبل تحقيق الأهداف التي نزلنا لأجلها"..وقد كشفت ةسائل الإعلام اللبنانية والعالمية ان السيد نصرالله عقد ومعاونوه جلسات مطولة مع ممثلي وقيادات الأحزاب السياسية الرئيسية المشاركة في الحكومة, أهمها اجتماع لسبع ساعات مع رئيس التيار الحر الوزير جبران باسيل وآخر مع قيادة الحزب التقدمي الإشتراكي.
ويشار هنا أن الحزب الشيوعي اللبناني الذي احتفل بالذكرى ال95 لتأسيسه في ساحات التظاهر في بيروت وغيرها من المدن اعلن عن مبادرة لحل الأزمة والخروج بالبلاد الى نظام حكم خارج القيد الطائفي ويضمن العدالة الإجتماعية لكافة اللبنانيين .(رابط لمبادرة الشيوعي اللبناني https://www.al-akhbar.com/Politics/277558/ )..
أخيراً وحتى لا نقع في مطبّات المزايدات ومشاحنات "أهل مكة أدرى بشعابها" نعيد الأمر إلى أهله وأصحابه. فلبنان الذي أعطى للبشرية أجمل ما فيه من صوت وصورة قادر أن يعطي اليوم أجمل ثورة وقادر أن يحمي ثورته من الألغام التي يزرعها أو يحاول ان يزرعها متسلقو ومجرمو القوات وحلفاؤهم عبر الحدود وعبر المحيطات ..
[email protected]
أضف تعليق