تجتاح اليمين الإسرائيلي في الأيام الأخيرة موجة عارمة من المشاعر الإنسانية والمعارضة للعمليات الاحتلالية، ومن مشاعر التضامن مع الشعوب المقهورة. كل عنصري تحول الى "رينيه كاسين"، وكل متعصب قومياً – الى "نلسون مانديلا". أولهم كانت المناضلة من أجل حقوق الانسان ،والمعارضة المعروفة للاحتلال "الأم تيريزا" الإسرائيلية – اييلت شكيد، التي كتبت تغريدة تقول فيها "الاكراد هم الشعب الأكبر في العالم الذي ليست له دولة، انه شعب عريق تربطه بالشعب اليهودي صلة تاريخية خاصة. الاكراد يستحقون دولة خاصة بهم" -فتنهمر الدموع تلقائياً.

صحيح انه ليس من الواضح ان كان الاكراد يستحقّون دولة بسبب صلتهم الخاصة باليهود – وهو سبب ماحق – أم لعل ذلك بسبب كونهم اكبر شعب بدون دولة. لكن ما الفرق. الشعب المقهور يستحق دولة. لا أحد يستطيع ان يبقى لامبالياً تجاه صرخة شكيد العادلة هذه ، على عكس ما كنا نظن . فرق بين الاكراد والفلسطينيين؟ لا تثيروا الضحك لدى شكيد ! 

لكن هذه فقط البداية: رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وهو مناضل عنيد من أجل الحرية، اكثر من شكيد، ألقى بكل ثقله الأخلاقي المعروف، إذ قال : " إسرائيل تستنكر بشدة الغزو العسكري التركي، وتحذر من التطهير العرقي للأكراد... إسرائيل ستبذل كل جهد ممكن لتقديم المساعدة الإنسانية للشعب الكردي الباسل". بفضل مواقف أقل شجاعة من هذا الموقف حاز سياسيون على جائزة نوبل للسلام. إسرائيل تدين غزواً لدولة اجنبية وتعرض مساعدة إنسانية لشعب باسل يكافح من أجل حريته. ها هو المستشفى الميداني المقدم من قيادة الجبهة الداخلية (الإسرائيلية) في الطريق الى هناك.

لن نظلم موشيه يعلون أيضاً، وهو نصير آخر معروف للحقوق الإنسانية، وقد دعا الى تقديم العون للأكراد، وكذلك يئير لبيد، مارتن لوثر كينغ الإسرائيلي، الذي قدم المواعظ للعالم الحر الذي يُعتبر حضرته أحد قادته البارزين – داعياً لنصرة الاكراد. بل ان لبيد دعا للاعتراف الآن الآن بكارثة الشعب الأرمني، وسجل رقماً قياسياً بنفاقه: الاعتراف بكارثة الآخرين كعقاب وانتقام.

هكذا يبدو التظاهر بصفات الخير والإنسانية في أسوأ تجلياته ومظاهره، وهكذا يبدو عمى البصيرة. فقط العين الغشية لا تلحظ الأخلاق المزدوجة التي تطل من كل كلمة يلفظها الواعظون الجدد الذين لا يرون حدبتهم. تركيا تفعل الآن بالضبط ما تفعله إسرائيل منذ سنوات في غزة والضفة ولبنان. أصبحنا مثل تركيا، وأصبحنا على شاكلة اردوغان، وفقط العيون الغشية لا تلاحظ ذلك. كل شيء مشابه بشكل مفزع – ابتداء من اسم العملية العسكرية (نبع السلام) – عملية بربرية أخرى لنا في غزة او في لبنان، وسيصبح لدينا ايضاً "نبع سلام"، بعد "سلامة الجليل"، "عناقيد الغضب"، و "الجرف الصامد". الاتراك، بفعلتهم الشيطانية، نسخوا عنا أيضاً "الحزام الأمني" كذريعة للاحتلال. مثلنا، هم أيضاً يسمّون مئات القتلى الذين ذُبحوا "إرهابيين". جميعهم مخربون ارهابيون – ان كانوا اكراداً أو فلسطينيين. طبعاً لا يوجد آلاف المدنيين الذين يجري ذبحهم – لا في شمال سوريا، ولا في جنوب قطاع غزة.

أترون الغارات والهجمات على الأكراد؟ أترون الشراسة والوحشية؟ هكذا بالضبط يرى العالم هجمات وغارات إسرائيل على غزة. الجيش الذي ينقضّ على الأبرياء العزّل، في بيت حانون هم أبرياء وعزّل اكثر مما في "كوباني"، غارة مقابل غارة، غزو مقابل غزو، حرب مزعومة على الإرهاب – وفي الحالتين الحرب الحقيقية هي من أجل الحرية. المئات من المتظاهرين غير المسلحين قتلوا في العامين الأخيرين عند السياج الحدودي في غزة المحاصرة، بينما اليمين الإسرائيلي يشمئز ويستصرخ بسبب ذبح الأكراد. جرحى ومعاقون من غزة لا يستطيعون المجيء للعلاج بينما إسرائيل تقدم المواعظ من أجل تقديم المساعدة الإنسانية للأكراد، وليس للجرحى والمعاقين الذين أصيبوا بفعل ممارساتها.

ورغم ذلك، هنالك فرق واحد: في شمال سوريا توجد أماكن يمكن الهروب إليها، بينما لا توجد في غزة أماكن كهذه. في غزة لا تشاهدون قوافل من اللاجئين الهاربين مثلما هي الحال في سوريا. آخر قوافل اللاجئين في غزة شوهدت عام 1948. ربما لهذا السبب يحذر نتنياهو من التطهير العرقي، بينما زعيمة اليمين، شكيد، تقول ان الاكراد يستحقون دولة. هل توجد نكات أشد مرارة من هذه النكتة؟




 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]