بقلم: إياد أحمد، مدقّق حسابات، الكليّة الأكاديميّة سابير
خلافًا للصورة النمطية الرائجة، فإن دوّامة أحداث العنف التي أبتلى بها المجتمع العربيّ في السنوات الأخيرة تشكّل عاملًا مهدّدًاوطارئًا. لو كنّا قد أجرينا سلسلةَ تقاريرٍ حول المجتمع العربيّفي سنوات الثمانينيّات، كنّا سنتحدّث عن مجتمع متماسكٍ اجتماعيًّا، نسبة العنف فيه متدنّية للغاية وخاصّة بالمقارنة مع الوضع في الوقت الحاضر. مستوى الحياة المنخفض والبساطةأخفت في ذلك الوقت قريبًامظاهر انعدام المساواة، وقد وفّر فرع الزراعة دعمًا اقتصاديًّا كبيرًا للكثير من العوائل.
درسَ في تلك الآونة في مؤسّسات التعليم العالي نحو 5،000 طالب عربيّ، وبلغ عدد الخرّيجين نحو 20،000. يبلغُ عدد الطلبة العرب في جهاز التعليم اليوم 50 ألفًا تقريبًا. إذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن أن نفسّر حقيقةأنّ ارتفاع مستوى التعليم العالي بشكل ملحوظ، أدّى إلى زيادة في مستوى العنف، بدلًا من أن يُسهمَ في جعل الحياة أكثر هُدوءًا وإلى انخفاض أحداث العنف؟
هناك عدّة تفسيرات لمشكلة العنف المتفاقم التي تجاوزت جميع الخطوط الحمراء. من وجهة نظري، كخبير اقتصاديّ، لا يُمكن تفسير الظاهرة من دون التطرّق إلى زيادة حجم اللامساواة في المجتمع العربي والوضع الاقتصاديّ الصعب الذي يسوده. حوالي 50% من الأسر موجودة تحت خطّ الفقر، غالبيّة العائلات العربية- حوالي 62%- تقبع في الأعشار الثلاثة لأصحاب الدخل المتدني، وفقط 6.8% من هذه العائلات موجودة في الاعشار الثلاثةلذوي الدخل المرتفع، معظم البلدات الموجودة في العنقود الاقتصاديّ-الاجتماعيّ 1 - هي بلدات عربيّة. لهذه العوامل مساهمة جوهريّة في زيادة مستويات العنف والجريمة. تمكّن جزءٌ كبيرٌ من الأسر العربيّة في المجتمع العربيّ من الحصول على التعليم العاليوتحسين مستوى حياتها. أسهم توسيع السلّة الاستهلاكيّة، التي تشمل من جملة أمور أخرى، السيّارات الفارهة والرحلات إلى خارج البلاد، في زيادة الفوارق الاقتصاديّة بشكل صارخ. الحاجة إلى تقليد الجار وابن القرية في مستوى الحياة، ينعكس في المثل الشعبي "شوفوني يا ناس"، الذي يعكس مستوى الحياة الذي يعتمد على الديون، والهدف منها تحسين سمعة وصورة الشخص في المجتمع. إلّا أنّ هذه الأعباء الماليّة تُثقل على كاهل هؤلاء الأشخاص وتقضّ مضاجعهم وتسبّب لهم التوتّر وتزيد من الضغوط النفسيّة عليهم.
انعدام المساواة بالإضافة إلى مستوى وحجم الفقر،يسهم في زيادة حوادث الإجرام في المجتمع العربيّ.
الزيادة في حالات انعدام المساواة ناجمة أيضًا من ارتفاع أسعار الأراضي المعدّة للبناء، والنقص الكبير في قسائم البناء في جزءٍ كبير من القرى العربيّة. إلى جانب ذلك، التكلفة الباهظة للبناء تزيد من الأعباء الاقتصاديّة الكبيرة على الأزواج الشابّة، وتجعل حياتهم صعبة، وتجعل من الصعب أيضًا تحقيق الحلم المتمثّل في بناء منزل لهم.
جانب آخر للتأثير الاقتصاديّ في زيادة أحداث العنف هو المستوى المتدنّي للبنية التحتيّة في البلدات العربيّة، الذي يتجلّى في نقص في المتنزّهات، المؤسّسات الثقافيّة، وانعدام الأطر للتعليم اللامنهجي. أبناء الشبيبة الذين لا يمكنهم توفير احتياجاتهم الثقافيّة أو تطوير قدراتهم في مجالات الرياضة، الموسيقى أو في أيّ مجال آخر في بلداتهم، يجدون الاستجابة في وسائل الاتّصال المختلفة، ولكن من دون رقابة من جانب الأهل أو الشخصيّات التربويّة.
إنّ الزيادة المقلقة في حجم العنف التي ابتليَ بها المجتمع العربيّ في السنوات الأخيرة يُلزم القادةوالشخصيّات العامّة، وكذلك منظّمات المجتمع المدنيّ والمجتمع برمّته،إلى إيجاد الحلولوالسبل التي تسهم فيالقضاء على هذه الظاهرة المقلقة التي تقضّ مضاجعالكثير من الأهالي. يتعيّن على أذرع الحكم المحلّيّ القيام بدور فعّال في الحدّ من نسبة العنف من خلال الاستثمار في أطر التربية والتعليم اللامنهجيّة وفي المؤسّسات التربويّة. ومن أجل تحقيق هذا الغرض، يجبُ على الحكومة أن تموّل وتوسّع برنامج "مدينة بلا عنف" والخطط الأخرى لمكافحة الجريمة، ويجبُ على هيئات الحكم المحلّيّ الحرص على استغلال هذه الميزانيّات بشكل ناجع. علاوة على ذلك، يتعيّن على جهات إنفاذ القانون العمل بهمّة ونشاط من خلال برنامج واسع النطاق، لمكافحة حيازة الأسلحة غير القانونيّة، وإعطاء الأولويّة للكشف عن جرائم القتل، وزيادة الشعور بالأمن العامّ لدى الجمهور العربيّ.
مظاهر اللامساواة المتزايدة جنبًا إلى جنب مع حجم وعمق الفقر تسهم في زيادة الجريمة في المجتمع العربيّ. يتعيّن على أعضاء الكنيست العرب، الذين حصلوا على دعم كبير من خلال نسب التصويت العالية، وكذلك أيضًا أعضاء الكنيست اليهود والوزراء في الحكومة، العمل بشكل جدّي وناجع للحدّ من مظاهر العنف، ويجب أن تتمّ هذه العمليّة من خلال العلاج الجذري للمشاكل الاجتماعيّة والاقتصاديّة في المجتمع العربيّ.
[email protected]
أضف تعليق