مقال: المحامية ميساء غرابلي – مديرة الخط المفتوح باللغة العربية لحقوق النساء في العمل في اللوبي النسائي في إسرائيل
حتى هذا العام (2019) لا يبدو أن الحكومة قادرة على توفير العمل للنساء العربيات من أجل ضمان العيش الكريم لهن ولأسرهن، وهن يتعرضن للاستغلال بشكل منهجي في سوق العمل – والأسوأ من ذلك كله أنهن غير واعيات أو مدركات لهذا الاستغلال .
في اطار عملي ومهماتي أقابل في كل أسبوع نساء من جميع أنحاء البلاد، وفي كل أسبوع ألقي محاضرات للنساء العربيات حول حقوق النساء العاملات، وفي كل مرة أشاهد علامات الصدمة والذهول على وجوههن، فأدرك انني عرضت أمامهن واقعاً لم يكن معلوماً لديهن، واقع جديد يخص الحقوق والقوانين التي لم يسمعن عنها بتاتاً. وفي معظم اللقاءات يُسأل السؤال: "هل انت متأكدة من ان هذه هي الحقوق التي نستحقها في أماكن عملنا"؟!
حضانة واحدة لكل (2000) طفل عربي
بعد أن أدركت هؤلاء النساء الفجوة الحاصلة ما بين حقوقهن المشروعة، وما يحصلن عليه عملياً – تأتي المرحلة الصعبة حقاً، ألا وهي مطالبة المشغلين بحقوقهن. هؤلاء النساء على قناعة بأنه في لحظة مطالبتهن بالحقوق، فسيلجأ المشغل الى فصلهن من العمل!
هنالك عوائق وعقبات كثيرة ومتنوعة تواجه اندماج النساء العربيات في سوق العمل، أهمها البنى التحتية الرديئة في البلدات العربية، وانعدام النظام والانتظام في المواصلات العامة، والمستوى المتدني للتعليم مقارنة بالمجتمع اليهودي، فرص العمل المحدودة، التمييز الصارخ في استيعاب الأيدي العاملة، وانعدام الحضانات التي تتيح الفرصة للأمهات للخروج الى سوق العمل – إذ لا يُعقل ان يكون في المجتمع اليهودي ما معدله حضانة لكل (250) طفل، بينما المعدل في المجتمع العربي حضانة واحدة لكل (2000) طفل.
القيم والطاقات الاجتماعية الكامنة في تشغيل النساء العربيات
كذلك، فان الفوارق في الميزانيات حاصلة في جميع مجالات حياة المجتمع العربي. ولقد أدت معدلات البطالة المرتفعة في المجتمع العربي الى خروج النساء للعمل خوفاً من الفقر والضائقات المعيشية والمادية، وينتابهن اليأس من تحسين مستواهن الاقتصادي، بحيث يضطررن في كثير من الأحيان للعمل في وظائف لا تتلاءم مع مهاراتهن المهنية وثقافتهن ومستوى تعليمهن، ذلك أن التمييز في سوق العمل يحول دون تحقيق الطاقات والقدرات الحقيقية الكامنة لدى هذه الفئة من النساء العربيات، وفي معظم الأحيان يؤدي هذا الواقع الى إهدار وإضاعة التأثير الإيجابي الهائل الذي يمكن ان ينعكس على المجتمع الإسرائيلي، وعلى الاقتصاد الإسرائيلي.
وبالإضافة الى ذلك، تكمن في تشغيل النساء العربيات طاقات اجتماعية بالغة الأهمية، من ناحية تغيير النظرة الاجتماعية السلبية الى المجتمع العربي، ومن ناحية القضاء على العنصرية. إن الزيادة في عرض وتوفير أماكن العمل وإزالة العقبات، يؤديان الى تغيير الأوضاع في المجتمع العربي، والى زوال الشعور بالإحباط السائد في هذا المجتمع. وبالفعل، ليس سراً ان الاقتصاد يشكل العامل الحاسم في تطوير الشرائح المستضعفة عموماً، بمن فيها تلك الشرائح في المجتمع العربي.
سوء الأوضاع لدى الشابات العربيات الاكاديميات
وبسبب خوفهن من فقدان مكان عملهن، وصراعهن اليومي في البحث عن العمل، فان النساء العربيات يتنازلن في معظم الأحيان عن حقوقهن ويواصلن العمل في ظروف رديئة ومتدنية، ذلك ان أماكن العمل محدودة وشحيحة، وحتى عندما يعثرن على فرصة عمل، فانهن على الغالب لا يفحصن ما يتيح لهن القانون.
أما أوضاع الشابات العربيات الاكاديميات فهي أسوأ من غيرهن: فبسبب نفس المشكلة المتعلقة بقلة وشحة فرص العمل، فان تنازلهن يكون مضاعفاً: التنازل عن حقوقهن والتنازل عن كفاءاتهن العلمية. هؤلاء الشابات لا يتمكن من العثور على وظيفة تتلاءم مع مستواهن العلمي والأكاديمي، ولذا فأنهن يضطررن في كثير من الأحيان للاكتفاء بالقليل مما يُعرض عليهن، ويتقبلن أية وظيفة، وفي كل ظرف وكل شرط، ومهما كان حجم الوظيفة.
واجب الحكومة
ولا يمكن ان يتحسن ويتطور تشغيل النساء العربيات إلا بواسطة اتباع سياسة لتشجيع التناسب والتلاؤم بين مستواهن العلمي، وطبيعة عملهن، وبواسطة اغلاق الفجوات والفوارق في الميزانيات بين المواطنين العرب والمواطنين اليهود، وبواسطة تيسير وتسهيل المواصلات الى أماكن العمل الواقعة خارج البلدات العربية وتشجيع الدراسات العليا، وتطوير البنى التحتية، وانشاء مناطق صناعية في البلدات العربية، وتوسيع نطاق التشريعات والقوانين الهادفة الى منع التمييز، وتطبيق قوانين العمل.
إذا أحسنت دولة إسرائيل النظر الى تشغيل المواطنين العرب عموماً، والنساء العربيات خصوصاً – كمصدر غني لنمو الاقتصاد الإسرائيلي، واذا أحسنت المعالجة المعمقة من اجل استئصال العوائق والعقبات، من جذورها،وردم واغلاق الفوارق والفجوات في الميزانيات – عندها سننجح ليس فقط في خلق واتباع سياسة تشغيل متكافئة ومتساوية وعادلة تماماً، بل وسننجح في بناء اقتصاد اكثر نماءاً وازدهاراً .
[email protected]
أضف تعليق