لا بد في عطلة العيد من أن تستمع لحديث الناس، الذي يتراوح بين النميمة الاجتماعية والتحليل السياسي، وكأن المتحدثين صانعو قرارات وقادة.
في كل زيارة لمنزل تجد من سبقك أو من لحق بك.. لكن المشترك في هذه الجلسات هو الحديث عن الأوضاع التي يمر بها الشعب الفلسطيني، وتأخذ قضية الرواتب وصرف نصف الراتب أو أكثر خلال الأشهر الماضية الحيز الأكبر من الحديث، تسمع آراء غريبة وشاذة، آراء غاضبة، وأخرى لا معنى لها.
السؤال الأكثر انتشاراً بين الناس هو: متى سيتم صرف الراتب كاملاً؟ وحينها تأتيك إجابات كثيرة في كل جلسة.. هناك من يفتي ويقول إن لديه معلومات من مصادر كبيرة دون أن يوضح من هي هذه المصادر، مفادها أن الراتب سيصرف كاملاً بعد الانتخابات الإسرائيلية، وأن السلطة ستعيد المبالغ المخصومة دفعة واحدة وأن سلطات الاحتلال ستعيد الأموال الفلسطينية المحتجزة دون خصم.
كثر من المستمعين يحلو لهم سماع هذا الرأي.. لكن الأسئلة الصعبة تبدأ بملاحقة أصحاب هذا الرأي الذين لا يجدون ما يردون به سوى أن معلوماتهم هي من مصادر مسؤولة في السلطة! دون أن نعرف من هم هؤلاء المسؤولون.
رأي آخر يقاطع ويؤكد أن الأمور ستزداد صعوبة وأن السلطة قد تجد نفسها غير قادرة على دفع حتى نصف الراتب في ظل معلومات عن خصم سلطات الاحتلال نسبة كبيرة من الأموال لصالح مستوطنين متضررين من عمليات فلسطينية، أو عملاء الاحتلال... وأن الحكومة الإسرائيلية تهدف إلى إضعاف السلطة حتى الانهيار، ومن ثم تبدأ بالاستماع إلى تحليلات عن سيناريو انهيار السلطة، وكيف سيكون الوضع، ومن سيحكم؟!!
أكثر الآراء غرابة هو أن السلطة لديها أموال طائلة، وهي قادرة على دفع الرواتب وأكثر لكنها لا تريد ذلك، ويبدأ أصحاب هذه الرأي بالتحدث عن امتيازات كبار رجال السلطة والمصروفات في شتى الاتجاهات .. مدعين أن شد الأحزمة هو فقط للموظفين ومحدودي الدخل، دون أن يتأثر بذلك أصحاب الشأن والرواتب العالية.
حديث البيوت والزائرين في العيد لا يقتصر على الرواتب فقط، ولكنه يتعدى ذلك إلى أداء السلطة، وهنا تبدأ النقاشات الحامية بين من هو مؤيد ومعارض، لكن نلاحظ أن الجميع يتذمر من أداء السلطة، وهناك اعتقاد واسع بوجود فساد كبير، حيث ترى صمتاً أو موافقة عندما يتم الحديث عن الفساد وأصحاب رؤوس الأموال والأغذية الفاسدة .. حتى الأضاحي لا تسلم من ذلك، عندما يؤكد الكثيرون أن اللحوم الحمراء غالبيتها مستورد وتباع على أنها لحوم بلدية.. وهذا جزء من الفساد.. وهناك من يصمت أو يقبض الثمن. وعندما تسأل هل من دليل على ذلك؟ ينظرون إليك وكأنك ضدهم أو ربما أحد المستفيدين من هذا الوضع.
حتى عندما ينحرف الحديث إلى موضوع الانتخابات، تسمع تحذيرات كثيرة، خلاصتها أنه إذا ما بقيت الأوضاع على حالها فستكون نتائج الانتخابات إن جرت اليوم أسوأ من نتائج العام ٢٠٠٦.
أمام هذا الواقع والحديث الذي يدور داخل البيوت ترى أن هناك فجوة كبيرة بين المواطن والمسؤول، وأنه أصبح لزاماً على القيادة أن تستمع أكثر إلى صوت المواطنين، إلى صوت القاعدة، أما ما يطرحه كثير من المتنفذين فربما يجافي الحقيقة في كثير من الأحيان.
ولعل النكتة الكوميدية السوداء خير دليل على الإحباط الذي تعاني منه القاعدة الجماهيرية.
في العيد أيضاً يدور الحديث عن كثير من الموظفين وخاصة معلمي المدارس وبعض منتسبي الأجهزة الأمنية الذين استصدروا تصاريح عمل، وأصبحوا عمالاً داخل الخط الأخضر من أجل تحسين دخلهم وسد العجز الناتج عن عدم صرف رواتبهم كاملة ويبدؤون بذكر الأسماء وكيف أن بعض المعلمين رفضوا المراقبة على التوجيهي من أجل العمل داخل الخط الأخضر!
الموضوع الآخر الذي يكثر الحديث عنه هو فوضى السلاح والمشاجرات العائلية التي ازدادت بشكل كبير خلال الأشهر الماضية.
شجارات أدت في كثير منها إلى إصابات خطيرة أو وقوع قتلى ومن ثم حرق المنازل والممتلكات والعقارات والترحيل من منطقة إلى أخرى بعيدة، والأموال المدفوعة كعطوات عشائرية .. تسمع كل ذلك وكأن القضاء والقانون مغيبان تماماً، فيما المتحدثون جميعهم يجمعون على أن سلاح الجريمة ينتشر بتشجيع من سلطات الاحتلال.. وأن كثيراً من المواطنين أصبحوا مضطرين لشراء السلاح لحماية عائلاتهم في لحظة الحسم حسب تعبيرهم.. لينتقل الحديث عن أسعار السلاح بعدها، ابتداء من المسدسات وليس انتهاء ببنادق «أم ١٦» وثمن علب الرصاص وغير ذلك.
إن فوضى السلاح هي أخطر من الرواتب الناقصة لأن الشعب عانى الكثير خلال الانتفاضة الثانية وبعدها.
الكل يحذر من أن نصل إلى وضع يشبه وضع فلسطينيي الداخل، حيث أصبحت الجريمة المنظمة وعمليات القتل شبه روتينية والنتيجة زعزعة المجتمع وتفككه!
[email protected]
أضف تعليق