مقال بقلم: المحامي يحيى عبد المالك دهامشة

يدعّي الداعون لمقاطعة انتخابات الكنيست أن "دخول العرب للكنيست يجمل وجه إسرائيل القبيح".
نحن لا نرسل نوابنا للكنيست من أجل التجميل أو التقبيح. نحن نعامل الواقع كما هو، ونتعامل معه كما هو، ونرسل النواب لتمثيلنا هناك - قد تتفاوت كفاءاتهم وإنجازاتهم - فهذه مؤسسة يجب أن يكون لنا فيها ممثلون يؤدون فيه دورًا مهمًا نحتاجه نحن. وإذا لم نخترهم نحن، فسيكون فيها حتمًا عربٌ يختارونهم هم.
إن قبح إسرائيل وجمالها لا يحدده وجودنا هناك، طالما الوجودُ أو عدمه هو خيارنا نحن، فمن يقرر بأن يرى إسرائيل قبيحة، سيراها قبيحة، ومن يراها جميلة، سيراها كذلك بغض النظر عن قبحها.
بعد أن تتابع المنظرين لحجة "الوجود في الكنيست يُجَمِّل إسرائيل، لذلك علينا أن نسعى بأن لا نتواجد هناك لأن هذا يعطيها المبرر لتدعي أنها دولة عدل وحريات"، تشعر وكأنه علينا بقدر الإمكان أن نزيد من معاناتنا في هذه الدولة، وأن نسعى بأيدينا لتكريس الظلم ضدنا، بل أن نعمل على أن تكون إسرائيل أكثر جورًا وملاحقة لنا لكي يتسنى لنا أن نثبت للعالم كم هي قبيحة، فكلما سعينا إلى أن نُظلَم أكثر، استطعنا أن نُثبت للعالم مدى قبح إسرائيل.
بعد الهجوم الذي كان فيه الكثير من التجني على الشيخ كمال خطيب من قبل كتّاب سعوديين، على خلفية خطبة "خادم الحرمين وخائن أولى القبلتين.."، سمعنا في هجومهم تكرار تهمة "حامل الجنسية الإسرائيلية". فمجرد حمل الشيخ للجنسية الإسرائيلية، ووجوده داخل إسرائيل، تعتبر تهمة له. ومن جانبٍ آخر، ومن يتابع جوقة المطبعين في السعودية والدول العربية وتغريداتهم على شبكات التواصل، سيجد انبهارهم الشديد بدولة إسرائيل وروعتها (وآخرهم المعروف لمعظمكم: محمد سعود، الذي زار المسجد الأقصى وطُرِد، والتقى برئيس الحكومة بيبي نتنياهو)، فإن مجرد وجودنا هنا على أرضنا هو تَكَرُّم من إسرائيل علينا، وكأن لسان حالهم يقول: "إن إسرائيل منّت عليكم بعدم تهجيركم ومنحتكم جنسيتها فما أجملها من دولة". إن كان مجرد وجودنا على أرضنا وعدم تهجير إسرائيل لنا هو جمالٌ لإسرائيل في عين هؤلاء، فما رأيكم بأن نعمل على أن تُهجرنا إسرائيل من بلادنا إلى الأردن ونُخليها من العرب لكي نُثبت قبح هذه الدولة؟!
والحقيقة أن نفس الفئة - صاحبة حجة الجمال والقبح - معدومة التناسق في ادعاءاتها وأقوالها. فهذه الفئة تعلم جيدا أن إسرائيل هي دولة مؤسسات (رغم وجود الظلم والتمييز ومع كونها دولة "استعمار استيطاني")، وتتعامل معها على أنها كذلك، وأن سلطاتها مستقلة الواحدة عن الأخرى، وأن سلطتها القضائية ليست تابعة لسلطتها التنفيذية. ولو لم يكن الأمر كذلك، لما أمكن لهؤلاء أن يفسروا لنا إنفاقهم مئات آلاف الدولارات على التمثيل الحقوقي في الهيئات القضائية المختلفة. فَلِمَ تدفعون كل هذه الأموال لمحام دفاع في قضية جنائية مثلاً؟! ألأنكم تعلمون أن في هذه المحكمة يجلس قاضٍ مستقل لا يتلقى أوامره من السلطة التنفيذية ولا من ضباط المخابرات، بل يحكم بما يمليه عليه عقله وتشريع دولته؟! لماذا تسعون إلى تجميل وجه إسرائيل من خلال إرسال محام دفاع بهذه التكاليف إلى محاكمها؟! ألتثبتوا أن فيها مؤسسة قضائية مستقلة أو مؤسسة تحكم بالعدل؟!
إن مثال الرئيس الشهيد مرسي ليس عنا ببعيد، فعندما علم بعد الانقلاب أن الدولة العميقة عادت لتسيطر، وأن النظام القضائي عاد ليكون خادمًا للطغمة الحاكمة، أعلن عن استغنائه عن محام دفاع في محاكمته ولم يكن على استعداد أن يكون جزءًا من "تمثيلية". هكذا يتصرف من يعتقد أن الجهاز القضائي والسلطة القضائية غير مستقلة وغير عادلة.
واضح أن وقوعهم في هذا التناقض يُحرجهم جداً. فالادعاء أن السلطة القضائية في إسرائيل مستقلة، بينما الكنيست مجرد "تمثيلية"، كلام لا معنى له ولا ينطلي على أي صاحب عقل سليم (وإن كانوا لا يصرحون بذلك، فتصرفاتهم وأفعالهم تقول ذلك)، فما تفسيرهم وتبريرهم لهذا التناقض؟ وإن كان التوجه للقضاء الإسرائيلي الصهيوني مُجديًا بل ضروريًا وقد تأتِ منه الفائدة في بعض الأحيان (طبعا عن التوجه للسلطة التنفيذية وللوزراء من خلال وظائفهم الإدارية التي تقلدوها فحدّث ولا حرج)، فلم وجود نوابنا في الكنيست لا مكان له؟ ولماذا كل هذا الجهد والطاقات في التنظير من أجل الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات؟! وما المنطق في التعامل مع سلطتين والحياد عن الأخرى، الكنيست بالذات؟! ألأنها تذكركم بماضٍ فرّقتم فيه الصف وأوقعتم فيه الصدع؟!.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]