قد يلومني القارئ ويتساءل، بأي حق أتجرأ وأسمح لنفسي أن أنعى العيد وأعتبره في عداد المفقودين، وأن أكتب بهذه النغمة واللهجة الشديدة التي تدب اليأس وتفقد الأمل . ولهم أقول قول بصورة مباشرة : نعم، وألف نعم، عدت يا عيد، فأين المعايدون؟! عدت وأعدت معك فتح الجراح والغصات والمعاتبات، فهيا بنا نكون واقعيين نعترف ولا ننكر أن العيد الذي كان من المفروض أن يكون محطة ممتعة ومساحة واسعة للتأمل وقسطًا من الراحة، والشعور بالتعالي والانتماء، فيلهينا عن متاعب وهموم ومشاق الحياة التي لا حصر لها، ويبعث الطمأنينة في القلوب والنفوس، يترقب الكبير قبل الصغير قدومه بفارغ الصبر ليحتفل به وبأجوائه المميزة. نتذكر رائحة الملابس الجديدة والحلويات والكعك من صنع أمهاتنا، ومعايدات الأهل والأصدقاء والجيران ، فكل هذه المظاهر اختفت ونسينا وتناسينا معانيه، وسيطرت علينا اللامبالاة والفتور والروتين وفقدنا القيم والروابط الاجتماعية بكافة أشكالها وماتت قلوبنا وانعدمت الرحمة وغدت آذاننا صماء لا تسمع وعيوننا لا ترى، وقد سيطرت المظاهر والمادة والطمع على حياتنا اليومية. لا نتكلم في كل فرصة إلّا في المشتريات والسفر وقائمة الطعام والكماليات. لم تعد العائلة الواحدة تلتقي في صباح يوم العيد عند الأهل، ولم تجتمع على الفطور الجماعي، واختفت الزينة والأضواء من الساحات لتبقى مظلمة.
رغم كونه مناسبة مميزة وله هيبته وأهميته لم يستطع أن يخرق أبواب البيوت المغلقة، إذ يختفي أفراد العائلة وكأنهم من كوكب آخر.
عذرًا، عذرًا رغم ما تقدم سأنضم الى قافلة المتمردين. نعم يحز في قلبي ويصعب عليَّ أن أرى أنوار الساحة المشتركة ضئيلة حزينة بلا ضحكة الأولاد وقناديلهم وألعابهم التي كادت تعانق السماء وتنيرها. لذلك سأرحل إلى بلاد الله الواسعة، أندب وحدتي وأبكي بصمت، أراقب أمواج البحر كيف تلاطم الرمال، فزينة الطاولة ومحتوياتها تبقى كما هي في الصالة تنتظر المعايدين ولكنهم كالعادة يحتفلون على شواطئ البحار في البلاد وخارجها .
رماح تدعو إلى محاسبة ضميرنا والوقوف على هذه المحطة مطولًا، نفكر بعقلانية أكثر وموضوعية لإرجاع هذه المناسبة العزيزة كما كانت، آملةً حياة مستقرة للجميع، وأن يعاد على كل من ينبذ العنف والعنصرية ويدعو إلى تحقيق السلام والعدالة .
[email protected]
أضف تعليق