بعد أن أغلقت لجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية أبوابها على تقديم القوائم الانتخابية منتصف ليلة الخميس/الجمعة الماضية، بدأت حملة الدعاية الانتخابية، التي تظهر إلى أي حد بات الوضع الداخلي الإسرائيلي دقيقاً وحساساً، بل ربما على _كف عفريت_ فهناك عام تقريباً قد مضى دون أن تتمكن الأحزاب الإسرائيلية من تشكيل حكومة عادية، وليس أمراً عادياً أن تجري الانتخابات العامة، وتنتهي دون أن يكون بمقدور تلك الأحزاب أن تشكل الحكومة بناء على نتائجها، والتي يبدو أن الانتخابات المقبلة والتي ستجري الشهر القادم لن تنتهي بنتائج أفضل أو حتى مختلفة كثيراً أو بشكل حاسم عن نتائج الانتخابات السابقة!
كل هذا يحدث في ظل وجود إدارة أميركية لو أنها كانت قد خرجت من معطف الليكود لما كانت على هذه الدرجة من الانحياز والدعم لحكومة اليمين_اليمين المتطرف الإسرائيلي، وكل هذا يحدث والحالة الفلسطينية منقسمة ولا تعمل بكل طاقتها وليست على الدرجة المثلى من الحيوية والكفاح الشعبي، وفي ظل حالة عربية/ إقليمية ولا أسوأ، أي أنه باختصار يمكن القول، بأن «هدوء الحالة الخارجية» يظهر ما في الحالة الإسرائيلية الداخلية من مشاكل وصراعات، لا حصر لها، على كل من يكافح ضد الاحتلال الإسرائيلي وضد اليمين الإسرائيلي أن يأخذها بعين الاعتبار، بل وأن يقوم بتوظيفها على أكمل وجه.
المهم أنه لا بد من ملاحظة جملة من الحقائق قبل الخوض فيما سيكون عليه الحال بعد السابع شعر من شهر أيلول القادم، أولها أنه يلاحظ منذ انتخابات الكنيست العشرين التي جرت عام 2015، أن اليمين يتفوق بواقع 65_67 مقعدا برلمانياً مقابل 53_55 مقعداً لليسار والوسط، بما فيه العرب، وأنه إذا كان اليسار لا يمكنه أن يشكل الحكومة دون شبكة أمان عربية، فإن اليمين قد واجه مشكلة ظهرت هذا العام فقط، وهي عدم تجانس مكوناته الحريدية والعلمانية، وأنه بناء على مسيرة طويلة من تحالف الأحزاب الدينية مع اليمين مقابل جملة من التنازلات التي قدمها الليكود وهو يمين سياسي علماني، للأحزاب الحريدية على مستوى الدولة، باتت قوى أو أحزاب يمينية تخشى على طبيعة الدولة، خاصة بعد أن كثر الحديث عن «يهودية الدولة» وجملة القوانين التي اتخذت بهذا الشأن وكان مقصودا منها هدفاً سياسياً يتمثل بإغلاق أبواب التفاوض مع القيادة الفلسطينية.
لذا فإنه إذا كان اليمين السياسي يجمع المحافظين من العلمانيين مع المتدينين، وهذا حدث في ذروة «تصدي هؤلاء» للملف السياسي مع الجانب الفلسطيني، ولكن وبعد أن طوي هذا الملف، أو بعد أن صار اقل أهمية، عاد الوضع الداخلي يتصدر المشهد، بما في ذلك الصراع بين المتدينين والعلمانيين، لذا فإن حزب «إسرائيل بيتنا» يقف بين التحالف مع الأحزاب الدينية التي يتناقض معها في القوانين الداخلية، وبين اليسار العلماني الذي يختلف معه في الملف السياسي، وحيث أن حزب_أزرق ابيض، وهو حزب أمني وليس يساريا أصلا، فلا هو العمل ولا ميريتس، لذا فإن «إسرائيل بيتنا» يفضل التحالف مع هذا الحزب في حكومة مدنية ليبرالية على التحالف مع الحريديم في حكومة يمينية تجر الدولة إلى التطرف الديني.
بتقديرنا إن أوساطا من الليكود تدرك هذا أيضا، لكن الفارق بينها وبين «إسرائيل بيتنا» هو أن الليكود يجري حسبته بناء على تشكيله الحكومة، وكذلك يفعل بنيامين نتنياهو الذي يتصرف وفق القاعدة التي تضمن له أن يكون رئيسا للحكومة، وليس وفق اعتبارات أخرى لها علاقة بمستقبل الدولة.
المهم أن خطيئة نتنياهو والليكود كانت في أنه لم يحسب هذا الأمر ولم يدرك الحد الذي وصل إليه خطر الأحزاب الدينية وهي كانت فقط شريكة في الحكم، لن يطول بها الحال، لو استمرت هكذا في أن تصل إلى درجة أن تدفع بإسرائيل إلى أن تصير دولة دينية، مثل دولة «داعش»، في ظل عالم يرفض الدولة الدينية في الشرق الأوسط وفي العالم كله بالطبع، لذا فقد قبل تكليف رئيس الدولة بعد انتخابات الكنيست الواحد والعشرين، وكان يظن بأنه يمكن بألاعيبه وعروضه الوزارية أن يحتوي التناقض الناشئ بين حلفائه على الطرفين.
الأنكى من ذلك كله، ظن الرجل بعد ذلك بأنه يمكنه أن يسحق افيغدور ليبرمان، ولم يدرك بأن خصمه قد اشتد عوده السياسي، وأنه يمثل قاعدة حزبية، لقوة تمثل نحو 20% من سكان الدولة، والأسوأ لنتنياهو، أن معظم استطلاعات الرأي تشير إلى أن قوة ليبرمان قد تعاظمت، وأنه وقد حصل على خمسة مقاعد في الانتخابات السابقة سيحصل هذه المرة على 10_11 مقعداً.
وقد شجع فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة الأحزاب والقوى الأخرى على التجمع والتحشيد، حول هدف واحد لمعظم الخصوم ويتمثل في إسقاط نتنياهو، فيما كان ليبرمان أكثر القادة الإسرائيليين وضوحا في تحديد هدفه وهو الفصل بين الحريديم والعلمانيين، أي تشكيل حكومة من اليمين السياسي والوسط، بهدف اخراج المتدينين من الحكم.
وحيث أن الوسط يصر على عدم الشراكة مع نتنياهو فإن الليكود في حال فاز بأكبر عدد من المقاعد سيواجه أحد احتمالين: إما تشكيل حكومة واسعة وفق ما يطالب به ليبرمان، أو إبقاء الدولة في حالة شلل، أي أن الليكود سيواجه خيارين: إما التضحية بنتنياهو أو التضحية بالحكم.
كل هذا في حال سارت الأمور على هذا النحو، أي دون عامل دراماتيكي يقلب طاولة الانتخابات، وهذا أمر شبه مستحيل حتى لو أن ترامب عقد مؤتمر كامب ديفيد، وحتى لو أن نتنياهو شن حرباً على غزة، وقد اتضح بأن جولة جاريد كوشنير كانت فاشلة، ولن تدعو واشنطن على الأغلب للمؤتمر المذكور قبل الانتخابات الإسرائيلية فيما الحرب على غزة ستؤدي لنتائج عكسية، وتؤكد هزيمة نتنياهو في الانتخابات، وفقط إطلاق سراح الأسرى لدى حماس يمكنه أن يحسن قليلا من وضع اليمين الانتخابي، لذا فإنه لا مخرج لليكود سوى أن يختار إما شلل الدولة وعدم تشكيل حكومة، أو الرضوخ لليبرمان وتشكيل حكومة دون نتنياهو، وهذا يخفف الضغط عن الفلسطينيين إلى حين أن يتوحدوا ويقوموا بإنهاء الانقسام.
[email protected]
أضف تعليق