مؤامرة جديدة تحاك ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بشكل متسارع ككرة الثلج المتدحرجة، بهدف تصفيتها.
بعد فشل محاولة الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل تصفية الوكالة من خلال وقف التمويل الأميركي للوكالة، الذي يزيد على ٢٥٠ مليون دولار سنوياً، وطلبهما من دول العالم أيضاً وقف التمويل بحجة أن وجود هذه الوكالة الدولية يعني استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دون حل، أصبح لديهما الآن حجة لمعاودة الكرّة مرة أخرى.
إدارة ترامب تهدف من وراء مساعيها لتصفية "الأونروا" إلى إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، وهي إحدى قضايا المرحلة النهائية، بل ربما أكثر القضايا أهمية.
الرفض الدولي للهجوم على "الأونروا" كان على قاعدة أن المحاولات الأميركية الإسرائيلية غير أخلاقية كونها تحرم ملايين اللاجئين الفلسطينيين من الخدمات الأساسية لأهداف سياسية، لذلك تحملت بعض الدول عبء وقف التمويل الأميركي، واضطرت إلى زيادة مساهمتها في ميزانية "الأونروا" للعام الجاري.
مرت سنة صعبة وثقيلة على "الأونروا"، في ظل الخطر الذي أحاط بعشرات آلاف الطلبة اللاجئين في أقاليم الوكالة الأربعة، فلسطين، الأردن، سورية، لبنان، وكاد يحول دون التحاقهم بمدارسهم، إضافة إلى وقف التوظيف وفصل مئات الموظفين الذين كانوا يعملون بعقود سنوية أو مؤقتة.
منذ عدة أشهر ومسؤولون كبار في وكالة الغوث يحذرون من خطر انهيارها جراء الأزمة المالية، ويوجهون النداءات لزيادة التمويل من المانحين الأساسيين، وتمكنوا من تسجيل نجاح جزئي في حشد جزء من التمويل المطلوب، لكن دون أن يتمكنوا من حشد التمويل اللازم لمواصلة برامجها الأساسية خاصة في التعليم والصحة.
منذ عدة أسابيع ودون مقدمات، بدأت المؤامرة تظهر للعيان من خلال أخبار عن استقالة مسؤولين في "الأونروا" بتهمة الفساد، دون الإعلان عن ماهية هذا الفساد والمتورطين فيه، وهل هم من كبار الموظفين أم من ذوي الدرجات الدنيا.
بعد الاستقالات كثرت الشائعات، لكن الوكالة نفتها، معتبرة أن الاستقالات قضية شخصية ليس لها أي بعد آخر.
إلى أن أعلن بعد ذلك عن تورط موظفين كبار في عمليات فساد أخلاقي ومالي وغير ذلك. ومع ذلك ظل الصمت سيد الموقف دون معلومات، بل إن كبار المسؤولين في الوكالة أغلقوا هواتفهم ولم يتعاونوا مع وسائل الإعلام لكشف حقيقة ما يدور خلف الكواليس.
كبرت كرة الثلج لتبدأ المعلومات بالتسرب من مصادر مجهولة، يدعي البعض أن مسؤولين أميركيين يقفون وراءها، خاصة أن الحديث يجري عن أسماء في قمة هرم الوكالة، حتى وصلت إلى كبير الموظفين؟!!
هنا بدأت حبات الفضيحة تتناثر وتنعكس تدريجياً على الوكالة نفسها، فقبل أيام أعلنت سويسرا وهولندا عن تعليق مساهمتيهما في ميزانية الوكالة إلى حين الانتهاء من التحقيقات حول الفساد ومدى انتشاره في جسد هذه المؤسسة التي تعتبر عماد قضية اللاجئين، ورغم الإعلان السويسري في البداية فإن الصمت ظل سائداً حتى جاء الإعلان الهولندي قبل يومين، حيث أعلنت أمستردام عن وقف مساهمتها في التمويل إلى حين ظهور النتائج وجلاء الحقيقة حول حجم الفساد ومفاصله.
التحقيق في الفساد جاء من خلال إعلان مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة في نيويورك عن فتح تحقيق على خلفية اتهامات بالفساد، حيث تم تسريب هذا التقرير من جهات مشبوهة وبتوقيت مشبوه وخطير.
فمن حيث التوقيت، حاء التسريب قبيل تجديد تفويض وكالة الغوث لمدة ثلاث سنوات في أيلول المقبل، حيث جرت العادة على تجديد هذا التفويض منذ إنشاء الوكالة بعد النكبة.
ومنذ الإعلان عن التحقيق بدأت واشنطن وتل أبيب اتصالات مكثفة مع الدول المانحة وباقي دول العالم لوقف التجديد للوكالة، ليس على قاعدة سياسية هذه المرة وإنما على قاعدة الفساد.
خبراء في الوكالات الدولية يؤكدون أن خطورة الأمر تكمن في الخشية من الإعلان عن وكالة الغوث كمؤسسة فاشلة، الأمر الشبيه بما يعرف بالدولة الفاشلة، التي تستوجب تدخلاً من أجل وقف هدر المال الدولي الذي يذهب إلى غير مستحقيه.
جاء وقف التمويل من دولتين أوروبيتين ليؤكد خطورة الموقف، في ظل عدم وضوح ما يجري في الكواليس وأين ستستقر كرة الثلج المتدحرجة.
فلسطينياً للأسف، لم يشهد ما تتعرض له "الأونروا" الرد المطلوب سواء على مستوى القيادة أو الجمهور، وكأن المياه تجري من تحت أقدامنا دون أن نشعر بأنها ستغرقنا كموجة «تسونامي» لتصفية وكالة الغوث، وبالتالي تحييد قضية اللاجئين.
الحديث عن الفساد في الوكالة يدور منذ سنوات طويلة وربما منذ بداية التأسيس ونحن نسمع عن مثل هذا الفساد؟!! ما الذي تغير هذه المرة ولمصلحة من؟ الفساد لا يقابل بالتصفية واغتيال الوكالة ولكن بزيادة الرقابة والشفافية المالية.
من هنا نحذر من أن نجاح أميركا وإسرائيل في إقناع العالم بأن «الأونروا» مؤسسة فاشلة، سيؤدي إلى وقف تمويل الوكالة وبالتالي تصفية قضية اللاجئين.
على القيادة أن تنتبه إلى المؤامرة قبل فوات الأوان، وأن تتحرك على مسارين، الأول حشد أممي لتجديد تفويض الوكالة وأمامنا تقريباً ستة أسابيع قبل التصويت في نيويورك، والثاني حث الدول المانحة على تسديد مساهماتها بل وزيادة المساهمات لتغطية وقف التمويل.. دون ذلك سنبكي على أطلال "الأونروا".
[email protected]
أضف تعليق