بينما يستبعد كثيرون، أن يتصاعد التوتر في الخليج إلى مستوى اندلاع حرب، لو وقعت فإنها ستمتد إلى مناطق واسعة في الشرق الأوسط، فإن إسرائيل تستغل ذلك التوتر، وانشغال عديد الأطراف، لتصعيد «حروبها»، وعلى طريقتها الخاصة، ضد الوجود الإيراني في سورية والعراق. واضح أن لا الولايات المتحدة الأميركية ولا إسرائيل كأطراف أساسية، ترغبان في الاندفاع بالأحداث نحو حرب على إيران، ستتسع بالتأكيد، لتهديد ليس ممرات النفط فحسب وإنما أيضاً مواقع استخراجه.
إيران هي الأخرى لا تسعى وراء مثل هذه الحرب، فهي قد تحملت عبء العقوبات الأميركية الثقيلة، وتردد بل وعجز الشركاء الأوروبيين في الاتفاق بشأن ملفها النووي، ذلك أن استراتيجية تمددها في المنطقة تسير على نحو جيد، وتحقق تقدماً. أحد شيوخ الشيعة الإيرانيين، كان يتبجح بأن إيران تسيطر على منابع النفط في الخليج، وعلى مضيقي هرمز وباب المندب، وعلى نفط العراق، والاكتشافات النفطية والغازية في سورية، فضلاً عن نفوذها في لبنان، وفي فلسطين من خلال فصائل المقاومة الإسلامية. بالتأكيد فإن إيران تمتلك أوراق قوة كثيرة، وشديدة التأثير في أي حروب تندلع في المنطقة، وستتعرض المصالح الأميركية، وإسرائيل، إلى مخاطر حقيقية وضربات موجعة، لكنها تتبع سياسة هادئة في التعامل مع الخصوم، الذين يدركون مدى خطورة اندلاع حرب ضد إيران، لن تقف كل من روسيا والصين إزاءها موقف المتفرج، نظراً لتأثير ذلك على مصالحهما واستراتيجياتهما.
تفكير الإدارة الأميركية، لا يزال محكوماً، للبعد التجاري النفعي، وخوض الحروب بالوكالة، ودون أن تدفع ثمن تلك الحروب، إنما هي ستكون الحصاد الأكبر وربما الاحتكاري.
في تعقيب على مهمة تأمين سير الناقلات عبر مضيق هرمز، يقول ترامب إنه من غير المنصف أن تقوم الولايات المتحدة بدور الشرطي بمضيق هرمز لحماية سفن دول غنية كالصين واليابان والسعودية.
هذا يعني أن الولايات المتحدة مستعدة لأن تكون مدير المخفر الذي يحمي حركة المرور عبر مضيق هرمز، وقد استمالت بريطانيا وفرنسا للشراكة وهي تسعى وراء مشاركة ألمانيا أيضاً.
أميركا لا تريد شركاء دوليين آخرين، فهي لا ترغب في مشاركة روسيا أو الصين، لكنها تسعى وراء ابتزاز الدول صاحبة المصالح في حرية حركة المرور، لدفع الجزية، أو الخاوة. في الأساس فإن الولايات المتحدة تواصل سياسة ابتزاز وتجفيف أموال السعودية ودول الخليج، التي لا تجد سوى الولايات المتحدة، للمراهنة على دعمها في ردع إيران، ونفوذها في المنطقة، وإبعاد تهديداتها، التي تستهدف استقرار الأنظمة السياسية ذات الطابع السني.
لم تتعلم الدول الأوروبية من تجارب الماضي، حين شاركت في حملات عسكرية وحروب مع الولايات المتحدة، وخرجت صفر اليدين.
على الضفة الأخرى، تواصل إسرائيل قصفها لمواقع ومخازن لحزب الله، والحرس الثوري الإيراني في سورية، دون أن تتلقى رداً، حيث استنسخت إيران صيغة الردود العربية، التي تقول دائماً سنرد في الزمان والمكان المناسبين، ولكن رغم مرور الكثير من العقود فإن الزمان لم يأتِ بعد.
ندرك مدى تعقيد الأوضاع وخطورتها، لكن الصمت الإيراني سواء المباشر أو عبر الحلفاء، بات يشجع إسرائيل على ملاحقة الوجود الإيراني في العراق.
لم تعد إسرائيل تخفي هجماتها على معسكرات ومواقع ومخازن صواريخ باليستية، تقول إنها تتبع الحرس الثوري الإيراني، أو الحشد الشعبي العراقي الموالي لإيران. تتبع إسرائيل في ملاحقة الوجود الإيراني سياسة فوق الصفر، وتحت التوريط، فهي تواصل توجيه ضربات قوية دون أن تستدرج حرباً واسعة مع إيران وحلفائها. أميركا تلعب دور شرطي الخليج، فيما تلعب إسرائيل دور شرطي المشرق العربي، دون أن تتلقى رداً، أو حتى شكوى مسموعة. يقول الصحافي الإسرائيلي الوف بن ديفيد، إنه «بعد عشرين عاماً فإن العراق يعود مجدداً ليكون على واجهة الاستهداف الإسرائيلي، لأن القصف الأخير في إحدى القواعد العسكرية الإيرانية في العراق أحدث هزة أرضية في الحرس الثوري الإيراني». تخشى إسرائيل، من أن إيران قد تستغل الأراضي العراقية لاستهدافها بإطلاق صواريخ باتجاهها، فضلاً عن استغلال الممر البري لنقل أسلحة منها إلى سورية ولبنان، وكل ذلك حسب ديفيد.
إسرائيل تخوض حروباً وقائية استباقية، تحسباً لوقت قد تتعرض فيه إلى حرب تشنها إيران، وحلفاؤها ضدها، لكن السؤال هو لماذا تصمت إيران، ولماذا لا تحرك وهي قادرة على تحريك ردود محدودة على القصف الإسرائيلي الذي يستهدف وجودها ويلحق بها الكثير من الخسائر البشرية والعسكرية؟
في غياب الإجابة الشافية والصريحة عن هذا السؤال، فإن الأسئلة تكبر حول مصداقية الخطاب السياسي الإيراني، الذي يتحدث عن عداء جذري لوجود دولة إسرائيل، والخطاب الذي لا يتوقف عن المقاومة ومحاورها.
إذاً لماذا تتحرك «المقاومة»، بإمكانياتها في هذه الظروف التي تنطوي على مخاطر استراتيجية بحق القضية الفلسطينية، وبحق مصالح شعوب المنطقة، فمتى يمكن أن تكون هذه المقاومة ذات جدوى، أم ان القضية الفلسطينية مجرد شمّاعة وواجهة لسياسات أخرى؟.
[email protected]
أضف تعليق