كيف لي كمواطن وكإبن لهذا الشعب الذي يعاني الويلات والأزمات أن أثق بتلك القيادات ورؤساء الأحزاب بعد ان خذلوني مرة تلو الأخرى.
ثلاث سنوات ونصف إستمرت تجربة القائمة المشتركة الأولى التي تأسست سنة 2015 وهي مدة كانت أكثر من كافية لتقييم أدائها وأداء مركباتها. هل فعلا كانت وقتها جديرة بأصواتنا، وخاصة أن الحديث كان عن مركبات من المفترض أنها تملك ما يكفي من الخبرة السياسية البرلمانية والجماهيرية بحكم السنوات الطوال من جلوس مركباتها على كراسي الكنيست الإسرائيلي.
لقد أكدنا في الماضي وقبل تأسيسها بالمرة الاولى بسنة 2015، عن ضرورة توحد القوائم العربية تحت سقف واحد مشترك، على أن هذا التحالف هو غاية وطنية وسياسية عليا وضرورية مستبشرين خيرًا بعد فترة طويلة من هدر الطاقات والعداء بين مختلف أحزاب وقوائم هذه الأقلية القومية الأصلانية التي تصارع البقاء في نظام يميني فاشي متطرف، وتواجه قضايا وجودية تحدد مجرد وجودنا هنا في وطننا.
كما أكدنا وقتها مرارًا وتكرارًا بأن هذه الغاية السامية لا يمكنها أن تتحول إلى آلية نضالية مجدية إلا إذا استندت على رؤية استراتيجية نضالية واضحة وجامعة، وتبنت جميع مركباتها برامج عمل نضالية وأهداف واضحة على مستوى العمل البرلماني والجماهيري. هكذا تمنينا جميعا وهذا ما اردناه وقتها للقائمة المشتركة.
لكن وللاسف من تجربة القائمة المشتركة الأولى، لا يمكننا الإشارة إلى إنجاز واحد ملموس حققته القائمة. شهدنا خلالها الملاسنات وبيانات الاتهامات النارية المتبادلة بين مركباتها. وفي حين واصلت وقتها الحكومة الإسرائيلية ومؤسساتها الانحدار السريع نحو فشسنة النظام والإعلام والمجتمع، انشغلت وقتها مركبات القائمة المشتركة في التقاتل بين الفرقاء وتبادل التهم، ولم تنجح في توحيد مركباتها حول استراتيجية نضالية مجدية.
أنتهت التجربة الأولى للمشتركة وكانت إنتخابات جديدة بشهر نيسان 2019، فتبعثرت الأماني والآمال وبقينا مع خيبة الأمل والواقع المرير، إستمر التقاتل وتراشق الإتهامات وكانت النتيجة أن أحزابنا خاضت الإنتخابات بقائمتين وضعف حجم تمثيلنا من 13 مقعد إلى 10 مقاعد.
بالتجربة الاولى للمشتركة تحول العمل السياسي البرلماني والقومي إلى حرب شعارات رنانة وعمل عشوائي عرضي، ومسابقة حول النجومية، التي هي أشبه بالتهريج والبهلوانية، بين بعض مركباتها، ولعبة كراسي فاضحة ومخزية. فلم تكن رؤية جامعة حول سبل وآليات النضال المحلية، ولا استراتيجية لإنقاذ مجتمعنا من العنف الدموي، ولا استراتيجية لحل مشاكل الأرض والمسكن، ناهيك عن غياب رؤية واضحة وأهداف متفق عليها لمواجهة المد الإسرائيلي العنصري والفاشي.
فهذا كان الحال عند غياب الأفعال والإنجازات. فعندما يغيب الفعل يكثر الكلام ويكثر اللغط. ثلاث سنوات ونصف كانت التجربة الأولى ومركبات القائمة المشتركة كانت منشغلة في صراعات داخلية على المنصات والمنابر، وفي لعبة الكراسي، وفي المواقف المتناقضة حول الكثير من القضايا، وبين هذا وذاك انشغلت وقتها مركباتها في تسويات حول مستقبل ضمان كراسيها في الانتخابات القادمة، وفي البحث عن حلفاء جدد وكأنها كانت تعلن وقتها عن وفاة هذا المولود مسبقا وهذا ما حصل فعلا، تفرقت القائمة المشتركة وخاضت مركباتها الإنتخابات بقائمتين.
في ظل غياب الرؤية الاستراتيجية الناجعة والاتفاق على أهداف وسبل النضال، وهيمنة العمل الفردي العشوائي اللامجدي بالتجربة الاولى، لم نهدر جميع الفرص المحتملة وقتها لتحقيق أي انجاز وتوفير أي حل لمشاكل مجتمعنا الوجودية فحسب، بل تم فقدان البوصلة الكفاحية وتمييع النضال الجماهيري.
خلال تجربة المشتركة الاولى وبعدها واجه مجتمعنا، وما زال، أزمات داخلية عديدة وسياسة عنصرية فاشية، تهدد مجرد وجوده، ولم تنجح القائمة المشتركة (وربما لم تحاول أصلا) بالنهوض في النضال الجماهيري الشعبي الذي تراجع كثيرا وكاد أن يختفي تماما عن المشهد النضالي.
القائمة المشتركة الاولى كانت نتاج مباشر لرفع نسبة الحسم، أي بسبب تخوف جميع مركباتها من عدم قدرتها متفرقة على اجتياز نسبة الحسم وبالتالي خسارة التمثيل البرلماني، أي خسارة الكرسي، ولكنها بدل استغلال الفرصة (المفروضة عليهم ليس بخيارهم) كرافعة لتوحيد العمل النضالي والنهوض به، اكتفت بفرصة ضمان الكرسي .
فشلت التجربة الأولى على جميع الأصعدة، ونعي هذا المولود الذي ولد ميتا. وكان صوت الشارع خلال التجربة الأولى ان القائمة المشتركة لم تعد تستحق أصواتنا، وهذا ما يجب قوله صراحة. فالقيادة التي أصرت وقتها على الفشل وقطعت شعرة التواصل بينها وبين شعبها وأختلفت على الكراسي، لا تستحق هذا المنصب.
بعد إنتخابات شهر نيسان 2019 والقرار بعدها بفترة أقل من شهرين على حل البرلمان والتوجه لإنتخابات جديدة، خرج إلينا جميع رؤساء الأحزاب بالبيانات ان إنتخابات ابريل لقنتهم درسا وان إنشاء القائمة المشنركة مجددا بات ضروريا. راينا بعدها الصور الحميمة والإبتسامات وتوقيع الإتفاقيات ولكن سرعان ما عادت حليمة لعادتها القديمة وعاد الإختلاف وعادت التراشقات والإتهامات وحتى التخوين.
خلال فترة المفاضات الجديدة بين المركبات الاربعة كان الحديت والتفاوض بينها فقط ولا غير على ترتيب الكراسي وعلى الميزانيات وعلى الكثير من الامور التي تعود بالفائدة على الأحزاب ولم يكن أي تفاوض للأسف على العمل الجماعي وتطوير إستراتيجيات نضالية جديدة من أجل مواجهة تحديات مجتمعنا وأزماته الملحة. للاسف وعلى ما يبدو هذا هو الذي تواصل هذه المشتركة إعادة انتاجه يوميًا.
فكيف لي كمواطن وإبن هذا الشعب الذي يعاني الويلات والأزمات أن أثق بتلك القيادات ورؤساء الأحزاب بعد ان خذلوني مرة تلو الأخرى .
حان الوقت للبحث عن بديل جديد، عن قيادة تمتلك الشجاعة والقدرة على وضع رؤية نضالية استراتيجية وأهداف وغايات واضحة وجامعة للنهوض بشعبنا وانقاذه من أزماته الوجودية.
سامر عثامنه - ناشط سياسي
[email protected]
أضف تعليق