كيف ممكن ان اكون منطلقًا؟ انه سؤال البليون.
بداية اعترف ان هذا المقال اذا ما قورن بمقالات سابقة، حتمًا يحطم رقمًا قياسيًا من ناحية وقت الكتابة، لأني بدأت كتابته قبل عام، ورغم كتابتي لألاف المقالات، الا ان هذا استغرق مني وقت وتفكير اكثر، خاصة في ساعات الليل المتأخرة، لكن بالإمكان الجزم انه انتهى عكس ما بدأ.
من منطلق اني منطلقًا منذ دخولي سن الاربعين، اعترف، راودتني افكار عدة، منها الايجابية ومنها السلبية، وكنت في حيرة من امري، وفي تخبط يومي، الاسئلة كانت اكثر من الاجوبة، بدأت اشعر بفقدان السيطرة على كثير من مجريات الامور، واكثر سؤال ارقني هو "ماذا انجزت وماذا فعلت"؟ فاصبح هذا السؤال كابوسي اليومي، لكن الجواب كان غير مباشر وكان، من خلال اشخاص حولي، اصدقاء، زملاء عمل، زبائن اشخاص احبهم ويحبونني، اهتم بهم ويهتمون بي، وبالمقابل اشخاص وامور وشوائب تمكنت من ازالتهم من طريقي خاصة من كانوا بمثابة "حاجبي رؤيتي".
أصبحت منطلق، ومع جلوسي قبالة البحر، لساعات طويلة، اراقبه لما يلخص من عبرة لكل بداية وكل نهاية، اشرب قهوتي السادة، واحيانا احرق سيجارة او اكثر، كنت افكر بما يقوله العلم وما تقوله الابحاث، خاصة عن هرمون التستوستيرون وعن ما يسمى "ازمة منتصف العمر" وانا منهمك في تفكيري، لفت نظري الافق البعيد، ذلك الخط المستقيم فيما نراه اخر البحر، بدأت انظر اليه واسأل الاسئلة، مع الوقت، بدأت اشعر ان هناك رابط بيني وبين ذلك الخط، بدأت اشعر بنضوج فكري اكثر، بدأت ارى الامور بمنظار اخر، واتعامل مع الاشياء بمفهوم اخر، فهمت واستوعبت انه لا يمكن منع المشاكل، لكن ممكن حلها بأساليب مختلفة، وما هي الا دروس وعبر، فهمت جيداً ان المال ليست سعادة، وان السعادة قد تكون في ابسط الامكانيات ، وانها شعور وليست قصور ولا سيارات فارهة ولا سفر او مشتريات، فهمت جيداً ان الشهادة تعليم لكن حتمًا ليست ثقافة.
اقتنعت أنني اصبحت منطلقًا في هذا العمر المميز، هذا العمر الجميل، لأني تعلمت من التجربة اكثر من الدراسة، ولأني اليوم املك قدرة اكثر على التحمل والصبر، وقدرة اكثر على الصمت، علمًا ان القدرة على التحمل هي نوع من انواع ايذاء النفس وربما السادية مع النفس، الا انني اصبحت احترفها، بسبب التجارب.
وانا منطلقًا اصحبت الرغبة الروحية ابلغ واهم من اشباع الرغبة الجسدية او المادية، لا يهم ان كانت الملابس ماركة عالمية او عادية، ولا يهم ان كانت السيارة ماركة المانية او امريكية بقدر ان يكون الشعور بالراحة النفسية والسكينة.
انطلق مع انجازات بدأت حلم تحولت الى فكرة ومخاطرة وواقع وانجازات، من بناء وتطوير، وانجازات شجاعة {تعلم عزف الساكسفون} سباقة في المجال المهني {اقامة او مكتب للاستشارة الاستراتيجية بالمجتمع العربي} والتي نقلت اسمي في المجال المهني الى الصعيد القطري والعام، كان ابرزها العمل في ادارة حملات استراتيجية لشخصيات قيادية بارزة جداً ولسياسيين فازوا بالانتخابات في سلطات محلية ونقابات مهنية، لكن كلما زاد النجاح زاد الطموح، خاصة عندما انظر الى شخصيات ومؤسسات تحولوا الى نوع من "الماركات" والاسماء المهنية الكبيرة، وهذا كان بفضل عمل دؤوب ونمط جديد وضعت بصماتي المهنية عليه.
انطلق شعري اكثر بياضًا، لكن كل شعرة بيضاء تمثل قصة وتجربة مررت بها، وكلما ازداد شعري بياضُا استنتجت انه كلما صغرت بعيني امور كثيرة اخرى كنت اراها كبيرة، فكل ما يحدث حولي له دلالات، قد تظهر لاحقًا وقد تبقى قيد الكتمان كأسرار امن الدولة، لكن هي درس عظيم، واحيانا اشبه بعملية جراحية، وان شفي الجرح تبقى العلامة للابد.
اليوم بهذا العمر، ارى ابناء جيلي، الاكبر او الاصغر، من لا يزل يبحث عن نفسه، من هو مغرور، ومن هو صبور، من هو ايجابي ومن هو سلبي، الا ان تجربتي ودروسي في الحياة علمتني ان ارى الايجابي في كل شيء، وان انطلق سعيداً مبتسمًا بما انجزت والى اين وصلت.
انطلق مكتشفًا ان افضل شيء لاستعادة الحيوية والايجابية هو التعرض لمأزق وازمة، ربما الامر طردي، كلما زادت حدة الازمة فإجاباتها تكون اكبر، اليوم انطلق الافق امامي، والبحر الذي كان بالأمس هائجًا اصبح هادئًا، علمني واعطاني عبره بان الامور متغيره، وان الاتي افضل، وان التشاؤم هو تفاءل مع تجربه، وان التجربة ما هي الا درجة عالية من الوعي والاحساس.
انطلقت في منصف الاربعين، انطلق في اي عمر، انطلق وانظر لما هو ايجابي بكل شيء
[email protected]
أضف تعليق