يعرف رئيس الحكومة الإسرائيلية قبل غيره، بل وأكثر من غيره، بأنه ليس رجلا مبدئيا، فلا الاستيطان يهمه، ولا أمن "دولة إسرائيل"، ولا أي شيء من هذا القبيل، أكثر مما يهمه أن يبقى جالسا على مقعد رئيس الحكومة، الذي جلس عليه حتى الآن، كصاحب ثاني أطول فترة بعد "مؤسس الدولة" ديفيد بن غوريون، لدرجة بات معها، يشبه إلى حد كبير حاكم دولة مستبدا، أكثر مما هو رئيس حكومة في "دولة ديمقراطية".
وخلال سنوات حكمه، بات رجلا معروفا بشكل جيد، سواء للإسرائيليين أو لغيرهم، وأقل وصف يوصف به، هو أنه رجل كاذب، مراوغ، وأقرب إلى أن يكون محتالا، ويكفيه عارا أنه قد ترأس الحكومة الإسرائيلية بفضل "الإرهاب اليهودي/الإسرائيلي"، الذي باغتياله اسحق رابين، فتح الباب لإسقاط اليسار الذي كان لتوه قد عقد اتفاقية السلام مع م ت ف، بما فتح الطريق لعودة اليمين مجدداً إلى الحكم.
ونتنياهو بذلك ليس شخصية يمكن التنبؤ بمواقفها بناء على تقديرات عامة، ولكن يمكن توقع سلوكها وتصرفاتها بناء على ما تحقق من قبل، فهو الآن يبدو مختلفا عما كان عليه قبل ربع قرن، حين كان يتحدث عن السلام، وهو نفسه الذي وقع واي ريفر، وسحب قواته من مدينة الخليل، وفق اتفاق خاص، لذا فإنه لا وزن لما يعلنه اليوم من مواقف وتصريحات، بوصلتها الحالة العامة، الدولية والإقليمية، كذلك الوضع الإسرائيلي الداخلي وبالطبع الحالة الفلسطينية.
والرجل يبقى "سياسيا إسرائيليا" محكوما بالاعتبارات الانتخابية، أكثر مما هو محكوم بأي اعتبارات أخرى، خاصة هذا العام الذي اضطر فيه إلى السير على طريق صعب ما كان يرغب فيه، ونقصد الانتقال من جولة انتخابية لأخرى، لم يسقط بسببها بعد، لكنه لم ينجح، بل بات في مفترق طرق حاسم، يمكن لإضافة بسيطة أن تطيح به إلى خارج حلبة السياسة بشكل نهائي.
اليوم وقبل إجراء واحدة من أهم الانتخابات في تاريخ إسرائيل، والتي ستكون نتيجتها، وفق كل التقديرات والمؤشرات واحدة من احتمالين أحلاهما مر لنتنياهو ولليكود، فإما أن تكون النتيجة مشابهة لما كانت عليه نتيجة انتخابات نيسان الماضي، أي تشكيل الحكومة مع أفيغدور ليبرمان والأحزاب الدينية بما يعيده إلى نقطة الصفر السابقة مجدداً، أو حدوث الانقلاب وفوز الخصم السياسي، ممثلاً بالوسط واليسار.
وهذا يعني أن نتنياهو واليمين والليكود ليسوا في أحسن حال، وذلك رغم الدعم الأميركي غير المسبوق وغير المحدود له شخصياً ولمعسكره السياسي، ورغم الحالة العربية المتهالكة، ورغم الوضع الفلسطيني الداخلي المنقسم، ورغم اندحار حزب العمل الذي تدهورت أحواله، وفاز بستة مقاعد برلمانية في التاسع من نيسان الماضي، وهو الذي كان قد فاز العام 1992 بـ 44 مقعدا.
منذ فشله في تشكيل الحكومة، رغم فوز معسكر اليمين بعد انتخاب الكنيست الحادي والعشرين، واليمين الإسرائيلي يبدو "متضعضعا" لأول مرة منذ سنوات، بالمقابل فإن أوساط الخصوم، تبدو أنها قد تشجعت من فشله في تشكيل الحكومة، حيث إنها باتت أمام فرصة حقيقية لإحداث التغيير، فالوسط ممثلا بتحالف جنرالات الأمن مع حزب "يوجد مستقبل" بقيادة يائير لبيد، ما زال متماسكا، رغم أنه مجرد تجمع انتخابي، لدرجة أن نتنياهو نفسه فشل في "سرقة" نائب واحد منه ليشكل الحكومة، واضطر إلى الذهاب لانتخابات جديدة محفوفة جدا بالمخاطر، كذلك فإن الضربة التي تلقاها حزب العمل، دفعته إلى محاولة تحسين أوضاعه سريعا، فقام بانتخاب عمير بيرتس، بدلا من آفي غباي، فيما سارع أيهود باراك، الذي ظهر في السابق كمنافس لنتنياهو بعد أن هزمه في انتخابات العام 1999، إلى العودة مجدداً إلى حلبة السياسة.
شهران إضافيان، ويحل موعد اليوم المشهود، فإذا ما انقلبت الطاولة، وكانت النتيجة إلقاء نتنياهو إلى قارعة طريق الخارطة السياسية، فإن صديقه دونالد ترامب، الرئيس الأميركي سيجد نفسه مضطراً لإكمال ولايته الرئاسية مع رئيس حكومة إسرائيلية آخر، وربما يكون أيضاً مع برنامج سياسي آخر، حينها كيف سيكون حال ترامب وطاقمه الذي رتب أموره وفق بقاء نتنياهو رئيسا لحكومة إسرائيل ؟!
لن يكون هذه المرة بمقدور ترامب أن يقدم ما يمكنه به أن ينقذ صديقه من السقوط الذي إن لم يكن حتميا فإنه محتمل جدا، أكثر بكثير مما كان عليه الأمر قبل ثلاثة أشهر، لذا فإن نتنياهو الذي يعرف أنه قد ظفر بكل أصوات اليمين من مستوطنين ومتدينين، علمانيين ومتشددين، ويعرف أنه قد نجح في السابق بفضل أحوال اليسار والمنافسين، فيما هذه المرة المنافسون أحسن حالا، بينما اليمين ليس موحدا تماما وليس قويا جدا كما كان في السابق، وأوضح صورة هي تلك التي يبدو عليها إسرائيل بيتنا/ ليبرمان، الذي ارتكب نتنياهو الخطأ الكبير ببدء الحملة الانتخابية هذه المرة، بمعركة كسر العظم مع حليفه السابق، لذا سيكون ليبرمان خطرا جدا.
لقد تبين منذ اليوم الأول الذي تلا إعلان نتائج الانتخابات السابقة، أن إظهار ليبرمان القوة في تحديه لنتنياهو قد زاد من قاعدته الجماهيرية، ورغم كل ما حدث من حراك، إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى بقاء قوة المعسكرين على حالهما، أي 55 لليمين والأحزاب الدينية، مقابل 45 للوسط واليسار، فيما كانت العشرون مقعدا الأخرى لكل من العرب بواقع 11 مقعداً ولليبرمان بواقع 9 مقاعد.
أي أن التغير المتوقع الوحيد والمهم والحاسم هو ازدياد قوة ليبرمان الذي كان قد فاز فقط بخمسة مقاعد، وهذا يعني أن مفتاح الحكومة القادمة سيكون بيد ليبرمان، لذا من المهم جدا التوقف عند ما يعلنه الرجل اليوم وملخصه قوله إنه سيفرض تشكيل حكومة وحدة، إضافة بالطبع لموقفه المعروف تجاه قانون التجنيد وتجاه غزة.
ماذا يمكن لنتنياهو أن يفعل لتجنب السقوط، هذا هو السؤال، حيث إنه ليس هناك سوى أصوات مستوطني الغلاف التي ذهبت لليبرمان، أي فارق الخمسة مقاعد، فهل يقدم على جنون ما، لابد من مراقبة الموقف خلال الأسابيع القادمة بقدر كبير من الحذر والاهتمام .
[email protected]
أضف تعليق