أكد جيسون غرينبلات مبعوث الرئيس ترامب «للسلام» في الشرق الأوسط على حق إسرئيل في ضم المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية المحتلة، مؤكداً بذلك على موقف السفير الأميركي فريدمان الذي سبق وأن منح دولة الاحتلال ذلك: «الحق». ودشنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مستوطنة جديدة في الجولان باسم ترامب. وأرجأت إدارة ترامب الإعلان عن الشق السياسي من صفقة القرن الى تشرين الثاني القادم بانتظار تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة ما بعد انتخابات الكنيست. ثلاثة مواقف سياسية سافرة تؤكد الإمعان الأميركي الإسرائيلي على شطب وتصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية، وتضع الاستثمار والإنعاش الاقتصادي المزعوم الذي سيعكف مؤتمر المنامة الاقتصادي على عرضه وتقديمه، في خدمة المسعى الأميركي الإسرائيلي لضم الضفة الغربية. وهذا يزيل كل المبررات التي تساق للمشاركة العربية وغير العربية في مؤتمر المنامة. ويؤكد صحة الموقف الفلسطيني الذي قرر المقاطعة ورفض الوساطة الأميركية المنحازة لأقصى اليمين الديني والقومي الإسرائيلي وصفقتها المشؤومة.
المواقف السابقة وما يقال عن تهديدات أميركية للدول التي تقاطع مؤتمر المنامة بحصار وعقوبات اقتصادية، تُعَرف جميعا بطبيعة «الترامبية» التي تريد إخضاع الدول والشعوب لسيطرتها، وتعرف أكثر بالخطر الداهم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، وبالتحديات الكبيرة التي تواجهه والتي تطرح مهمة تحصين وتقوية الوضع الداخلي الفلسطيني، من اجل ضمان الصمود والتماسك والتأثير في العوامل التي من شأنها إفشال صفقة ترامب، وفي البدء إغلاق الثغرات التي تضعف الصمود وتحدث الاختراق في الجبهة الداخلية لمصلحة الصفقة التصفية. الثغرة الأولى : استمرار فصل قطاع غزة عن الضفة واستخدام اتفاق التهدئة لتحقيق ذلك. ان مقايضة حركة حماس تحسين الشروط المعيشية لأهالي القطاع مقابل الحفاظ على الأمن والهدوء، وما يستدعيه ذلك من اعتماد سلطة حماس كضامن للاتفاق، وتكون النتيجة تكريس انفصال القطاع عن الضفة سياسياً واقتصادياً وديمغرافياً، والأخذ بسياسة الحل الاقتصادي الذي تطرحه صفقة القرن. ثمة ضرورة لمنع هذا الاختراق الخطير. ذلك أن مواجهة الخطر الداهم يبدأ بمرجعية سياسية واحدة توحد الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع والشتات والداخل. وهذا يعني أن إبرام اتفاق تهدئة جديد يكون بمرجعية سياسية فلسطينية واحدة وبقرار مشترك، ومن شأن ذلك قطع الطريق على هدف فصل القطاع عن الضفة وإغلاق ثغرة تهدد وحدة الشعب الفلسطيني لحظة تعرضه لأشرس هجوم. وفي هذا الاطار فإن تجديد الشرعية الفلسطينية ديمقراطيا، اصبح مستحقا اكثر من اي وقت مضى والذي يكون عبر الانتخابات التشريعية والرئاسية، وعبر إعادة بناء مؤسسات المنظمة، مع الاخذ بالحسبان ان تدخل سلطات الاحتلال لكبح العملية الديمقراطية مرجح لغرض تفكيك الوضع الفلسطيني، وهذا يستدعي ابتداع حلول بديلة لتجديد الشرعية ومؤسساتها. وفي السياق أيضاً فإن وضع حد للإجراءات التي تضرر منها قطاع غزة وتصويب العلاقة بين القيادة والجبهتين الشعبية والديمقراطية، ومعالجة قضايا الفساد في إطار القانون، له أهمية خاصة الآن، فقد لعب الفساد مؤخرا- رفع رواتب الوزراء والامتيازات التي منحت لهم، والتعيينات في السلك الدبلوماسي - دورا ملموسا في خلخلة الثقة بين السلطة والمواطنين وبين التنظيمات. إن الأخذ بذلك، يعني تغليب التناقض الرئيسي مع صفقة القرن على التناقض الثانوي في صفوف الحركة السياسية. وقد جاء قرار إبطال رفع رواتب الوزراء ووقف امتيازاتهم صائبا وله صدى ايجابي. ثمة علاقة بين القرار السياسي الصائب، وبين توفر مستوى من الثقة الجماهيرية التي يعمل الفساد على تقويضها. هناك من يطرح قضايا الفساد ويترك المهمة الأساسية وهي إفشال صفقة القرن، وهناك من يغض النظر عن الفساد بدعوى التصدي لصفقة القرن. وواقع الأمر لا يمكن فصل المهمتين بعضهما عن بعض، مع ترجيح كفة التصدي للصفقة في الوقت الراهن.
الثغرة الأخرى في الوضع الداخلي الفلسطيني تتمثل في خروج أصوات فلسطينية تتحدث عن عدم قدرة فلسطين على مواجهة إدارة ترامب، وتدعو الى التعاطي معها بمستوى معين، وعدم إغلاق كل الأبواب، وان من شأن المرونة الفلسطينية قطع الطريق على الأجراءات والعقوبات الأميركية. هذا الموقف هو امتداد لمواقف سابقة تحدثت عن إهدار القيادة الفلسطينية لفرص سياسية، منها خطة كلينتون اثناء مفاوضات كامب ديفيد 2000. ويتقاطع هذا النوع من الاعتدال مع مقولة ان الفلسطينيين دائما يهدرون الفرص التي تعرض عليهم. ولو وافقوا على قرار التقسيم لأقاموا دولتهم وانتهت مشكلتهم. وهنا يتم القفز عن استعداد المستعمرين للتوصل الى حل. يتم القفز عن مفاوضات طابا التي اعتمد فيها الوفد الفلسطيني المفاوض خطة كلينتون الى حد كبير إلا ان المؤسسة الإسرائيلية سحبت وفدها وانهت التفاوض. وقبل ذلك في مفاوضات واي ريفير طلبت إدارة كلينتون من الإسرائيليين تحديد مساحة الأراضي التي يقبلون الانسحاب منها استكمالا لاتفاق اوسلو، وقد حدد الإسرائيليون 18 % من مناطق ج، وحولوا التفاهم مع الإسرائيليين الى مبادرة أميركية، وسرعان ما وافقت عليها القيادة الفلسطينية، لكن الحكومة الإسرائيلية تراجعت عنها. الشيء نفسه انطبق على خارطة الطريق الصادرة عن الرباعية الدولية.
وكان زعماء عرب قد عرضوا على بن غوريون الاعتراف بإسرائيل مقابل إقامة الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين لكن بن غوريون رفض ذلك. ان الوثائق والسلوك والأيديولوجيا وقانون القومية ومناهج التعليم الإسرائيلية ومشاريع الحلول الإسرائيلية ومنظومة القوانين تقدم كما هائلا من الدلائل على عدم استعداد اسرائيل للاعتراف بالحد الادنى من الحقوق الفلسطينية. مقابل ذلك فان الاعتدال والمرونة التي قدمتها القيادة الفلسطينية كانا زائدين عن الحدود التي يقبل بها الشعب الفلسطيني، وعلى حد قول داعية السلام الإسرائيلي اوري أفنيري، حرمت القيادة الفلسطينية إسرائيل من سلاح رفض قرارات الشرعية الذي كانت تتحجج به لتغطية سياساتها العدمية في كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني، وكشفت الموقف الإسرائيلي على حقيقته الذي لا يعترف بالشرعية الدولية بعد الاعتراف الفلسطيني بها. من المؤسف ان بعض هذه الأصوات الفلسطينية تتقاطع في مواقفها الراهنة مع الضغوط التي تحاول جر فلسطين الى العدم، الى صفقة القرن، تحت شعارات المرونة والاعتدال. ومن حسن الحظ ان هذه الأصوات محدودة الحضور والتأثير.
[email protected]
أضف تعليق